ما يحدث في السودان في أحيان كثيرة يتجاوز سقف الدهشة والاستغراب والتعجب ، لدرجة أن بعض الظواهر يمكن أن تكون ضمن موسوعة (جينس) لغرابتها وليس لتميزها.
من هذه الظواهر ظهور القيادي بالنظام البائد والمدعي زعامة ما يسمى بالحركة الاسلامية على كرتي في (فيديو) وفي (بيان) موجهاً خطاباً ورسالة لعضوية حركته بأنه يجب أن تعود الحركة الاسلامية إلى محاضنها في المجتمع، وقال كرتي، لكوادر الحركة في التسجيل الذي تم بثه عبر مواقع التواصل: “فلتنهضوا لنصرة الحق وقهر الباطل وإصلاح حال البلاد وأهلها، ولتتسابقوا في طريق الخيرات وتتحد صفوفكم وتجتمع إرادتكم وتتحرك كوامن قوتكم لاقتلاع الباطل دونما تردد”.وأضاف: “فلتتكاتف سواعدكم وتجعلوا آياديكم في خدمة المجتمع وصيانة كرامته وسد حاجته ونجدة ملهوفه مع المحافظة على إرثه الطيب”.
طبعاً أكتفي بهذا الحد ، وأبدأ بتساؤل هل يعتقد كرتي بأنه أيمن الظواهري أو أي قيادي في تنظيم القاعدة درج على هذه التسجيلات؟ وهل في السودان ما يستدعي أن تختفي زعامات وقيادات تنظيم حكم البلاد 30 عاماً وأذاق شعبه الويلات أن تتحدث من وراء جدر؟
هذا التسجيل يكشف مدى خور وتراجع الحركة المتأسلمة التي هزمتها جماهير شعبنا بعد أن قسمت السودان إلى نصفين وأشعلت الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وقتلت عشرات الاف في دارفور باعتراف قائدها المخلوع ، وأرست للتفسخ والتصفية في جبال النوبة، وشردت المواطنين قسرياً في النيل الأزرق ، ولغفت أموال البترول، وتدخلت في شؤون بلدان العالم الخارجية فوصمت بالارهاب، وجرت على السودان عقوبات وحصار طال أمده ، دفع جرائه المواطن السوداني ثمناً باهظاً من الأموال والرقابة والعزلة والفطامة من تقنيات التقدم والازدهار .
أي نهضة يدعو لها كرتي من مخبئه ، بعد كل الخيبات التي يدركها تماماً ، ولكن هكذا هي عقليتهم الانتهازية لن تتغير لقد ظنوا أن خروج المواطنين غاضبين ليعبروا عن رفضهم للغلاء الطاحن والندرة في المواد الاستهلاكية سيمهد لعودتهم وركوبهم حصان طروادة لينقلهم عبر مسارات الاحتجاج للقصر الجمهوري ، هكذا بكل بساطة ظنوا أن الشعب السوداني نسي أنهم وراء كل ما يجري ويحدث وأن حكومة الثورة تخطئ وتصيب ولكن لم تمتد يدها لتسرق أو لتخرب العلاقات الخارجية ويكفيها فخرا أنها أعادت السودان لحضن المجتمع الدولي.
لقد أخطأ علي كرتي فما أن ظهر في هذا التسجيل حتى وفطنت لجان المقاومة للمحاولات الانتهازية التي تهدف لاستغلال الاحتجاجات وتوجيهها لصالح مشروع الفلول فسارعت وأصدرت بيانات أوضحت فيها موقفها الداعم لحكومة الثورة ورفضها للسياسات الاقتصادية ، بل وكشفت كيف يقوم الفلول بتوزيع الاطارات المطاطية بواسطة دراجات بخارية وكذلك محاولاتهم الخائبة لتوجيه هتافات المحتجين ، وهكذا فشل كرتي وإخوانه في استغلال الاحتجاجات وأحسنوا بغبائهم في توحيد الصفوف لأن وجدان الشعب موحد ضدهم في الأصل وقناعاته راسخة بأنهم لن (يعودوا)..أظهر ياكرتي وخاطب إخوانك من مسجد (الجامعة) ..(ونحن كمان محتاجين نعرف عبر لجنة ازالة التمكين كيف استغليت النفوذ عندما كنت حاكماً واستوليت على كل هذه الأراضي ..وأشياء أخرى..ألم تكون يومها حركة إسلامية ؟)!!