يبدو أننا من كثرة الإحباط والأحزان والخوف من المستقبل المجهول أصبحنا كالغريق الذي يتعلق بالقشة، لا أدري ما الجديد في الخطوة التي تمت فجر أمس وبعد مخاضٍ عسير استمرت أوجاعه اثنتي عشرة ساعة حبس فيها الشارع السوداني أنفاسه ليلاً طويلاً، ليستقبل مولوداً مشوهاً ، ناقص الأطوار، ليدرك أن كل هذه “الهيصة” المقصود منها تخفيف ضغط الشارع وكذلك الضغوط الإقليمية والدولية، ولا جديد فيها فصفقوا لها وحدهم لإخفاء الشعور بالفشل.
في رأيي وببساطة شديدة أن ما تم فقط هو تأجيل النقاش حول النقاط الخلافية التي تضمنها الإعلان الدستوري وقد تم إرجاؤها إلى يوم غدٍ الجمعة ، وهو أمر أشبه بعملية ترحيل الخلافات عند العجز عن حسمها وتخطيها… الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه أمس هو أمر تم الاتفاق عليه من قبل ولا خلاف عليه أصلاً ، فما حدث أمس هو”هروب” من القضايا الخلافية بتأجيل النقاش حولها… وما حدث بالضبط هو أن الوسطاء وطرفي الاتفاق في كل مرة يعجزون فيها عن إحداث اختراق في ملفات القضايا المختلف حولها فيلجأون إلى تأجيل النقاش حولها وقد حدث ذلك أكثر من ثلاث مرات اجتمعوا فيها وانفض سامرهم وانتهوا إلى التأجيل، وهو ما فعلوه أمس أيضاً فحينما استعصى عليهم اختراق النقاط الخلافية وبعد اثنتي عشر ساعة من “اللت والعجن”، فلجأوا إلى “الخم” بتوقيع الأحرف الأولى على الاتفاق السياسي الذي لا خلاف عليه أصلاً ، فعلوا ذلك لتخدير الشارع السوداني، لاعتقادهم أن المواطن السوداني قد ملّ الانتظار ولم يعد يحتمل المماطلات ، ورأوا أن المخرج من غضب الشارع من التطويل هو تخديره بما سموه التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، ثم أردفوا عبارة للتطمين : “أن هذا الاتفاق لن يكون ملزماً لقوى الحرية والتغيير إلا بعد التوقيع على الإعلان الدستوري…
في رأيي كان يمكن أن يؤجل التوقيع على الاتفاق السياسي إلى حين حسم النقاط الخلافية المتمثلة في صلاحيات المجلس السيادي ومجلس الوزراء ، وكذلك حصانة أعضاء المجلس السيادي ، بالإضافة إلى تعيين رئيس القضاء والنائب العام والولاة وتبعية جهاز الأمن لأن ما تم وكل بنود الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه ، لا خلاف حولها أصلاً…
في المرة السابقة التي أعلنت فيها الوساطة التوصل إلى اتفاقٍ شاملٍ ضخمت الحدث وأعطت انطباعاً بأن كل شيء على ما يرام ولم ينقص غير التوقيع النهائي الذي بات وشيكاً جداً ، حتى تفاجأت الأوساط السياسية والإعلامية بالقضايا الخلافية التي سبقت الإشارة إليها والتي كادت أن تعصف بالاتفاق… والآن ذات المشهد يتكرر بتأجيل القضايا الخلافية والقفز فوقها ، والخروج للرأي العام وإلهائه بالتوقيع على قضايا ليس حولها خلاف أصلاً ، أخشى أن يأتي يوم الجمعة ويتكرر سيناريو التأجيل على نحو يستدعي مبعوثي أمريكا والاتحاد الأوروبي لدفع المفاوضات إلى الأمام..
خلاصة القول إن ما تم أمس هو “حركة كدي” إعلامية لتخفيف ضغط الشارع وكذلك الضغوط الإقليمية والدولية….”ولاّ أنا غلطان”… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين