منذ توليه رئاسة وزراء أثيوبيا كان لآبي أحمد شعبية واسعة في السودان وأظن أن هذه الشعبية تنطلق بالأساس لكونه شابا صعد إلى سدة الحكم في دولة جارة في وقت يتعطش فيه الشباب في كل المنطقة إلى التغيير الذي يوصل الشباب إلى رئاسة حكومات بلدانهم، وهذا طبيعي وربما أكثر.
أمس وفي احتفال التوقيع على وثائق الفترة الانتقالية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، حصد آبي أحمد جماهيرية ساحقة، بل خطف الأضواء تماما فضجت القاعة بالتصفيق والهتاف حينما أذيع اسمه لتقديم كلمته، لدرجة أن الإحراج “بروتوكوليا” كان بائنا في وجهه، لم يتوقف التصفيق والتحايا من جماهير القاعة وسط ذهول بعض الدبلوماسيين العرب؛ بل وصل الأمر إلى أن أحد جنود سلاح الموسيقى وقف وقدم معزوفة قصيرة بآلته الموسيقية كتحية لآبي أحمد.
وإن كان هناك ترتيب للذين حازوا على جماهيرية داخل القاعة فيليه المتحدث باسم تجمع المهنيين الذي حاز أيضا على تصفيق وتحايا حارة.
غير أن هذه الحالة –حالة أبي أحمد- التي تجسَّدت أمس في قاعة الصداقة وعلى قدر ما تحمل محبة لرئيس الوزراء الأثيوبي إلا أنها مدعاة للأسف، مدعاة للبكاء أن تصل جماهيرية شخصية أجنبية إلى هذا الحد فيما لم تحظ شخصية وطنية بهذه الشعبية المذهلة.
المشهد الذي حدث أمس يحتاج أن نتوقف عنده وندرسه ونتعامل معه بجد، لا ينبغي أن ننظر إليه من باب أنها مجرد محبة لرئيس شاب قادت بلاده وساطة نوعية أوصلت طرفي التفاوض إلى هذا الاتفاق.
نحن بحاجة إلى شخصية تحصد مثل هذا الإجماع، وأعتقد أن محمد ناجي الأصم هو الأقرب إلى ذلك عبر كيانه المهني “تجمع المهنيين”.
ما نحتاجه فعلًا قيادة محايدة لهذه الثورة، محايدة من الولاء للأحزاب المتقاتلة. تجمع المهنيين لا تزال أمامه هذه الفرصة لقيادة البلاد إلى بر الاستقرار والديمقراطية.
صحيح لن يفلت من صراع الأحزاب والمحاولات المتكررة لترويضه، لكن على الدوام ينبغي أن يضع تجمع المهنيين أن الشارع الذي وضع ثقته فيه لن يظل معه على الدوام إن حاد عن خطه.
وما ينبغي أن يضعه التجمع أمامه أن الفرصة تاريخية لهذا الجسم كي يؤدي دورًا وطنيًّا يؤسس لنظام جديد يليق بهذه الثورة والدماء التي سُفِكت فيها.