العبارة أعلاه (جورج الخامس يحاور جورج الخامس)، أطلقها الزعيم المصري سعد زغلول حين وجد ان الانجليز وكان ملكهم حينها هو جورج الخامس، قد أوكلوا من عينوه هم من المصريين على رأس الوزارة في مصر لمفاوضة المصريين، فبدا الامر وكأن الانجليز يريدون مفاوضة أنفسهم وليس المصريين ومن يمثلونهم..ولو قدر لحوار الآلية الثلاثية المزمع أن يمضي الى نهاياته رغم رفض قوى ثورية مؤثرة وفاعلة لهذا الحوار وتمسكها بشعار اللاءات الثلاث (لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية)، فيما لم ترفضه جملة بعض القوى الثورية وانما أبدت حوله عددا من الاعتراضات والملاحظات والمطلوبات الجوهرية المطلوب توافرها تهيئة لأجواء الحوار قبل انعقاده، وتتمثل هذه المطلوبات الموضوعية والمنطقية في رفع حالة الطوارئ المعلنة واطلاق سراح المعتقلين كافة ووقف العنف ضد المتظاهرين السلميين، وهي كما ترون مطلوبات غاية في الموضوعية وتثير شكوكا كثيفة حول امتناع العسكريين من تلبيتها، وعليه لو مضى حوار الآلية المزمع في ظل هذه الأجواء الضبابية سينتهي حتما الى صيغة (جورج الخامس يحاور جورج الخامس)، وهذا يعني في المحصلة فشله الذريع في تطويق الأزمة وفكفكة عقدها، بل الأدهى وأمر سيزيد الأزمة تعقيدا فتظل تراوح مكانها، ويبقى حال هذا الحوار كحال المنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، فالمعلوم أن العسكريين الانقلابيين يعقدون آمالا عراضا على هذا الحوار باعتبار أنه يشكل لهم طوق النجاة من الأزمات التي أدخلوا فيها البلاد ولفك عزلتهم الداخلية والخارجية، غير أن عدم مشاركة قوى ثورية مؤثرة في هذا الحوار سيحيل آمالهم تلك الى محض سراب، فانعقاد الحوار من دون هذه القوى الثورية المناهضة للانقلاب، سيجعل منه مجرد منولوج داخلي Monologue، يجري بين ملة الانقلابيين من عسكريين ومدنيين، وتدور في ثناياه أحاديث النجوى والنفس للنفس، بينما المطلوب هو الديالوج DIALOGUE الذي يجري بين المختلفين، العسكريين الانقلابيين ومناصريهم وداعميهم من مدنيين مؤيدين للانقلاب من جهة، وبين الرافضين للانقلاب ومترتباته التي قطعت الطريق على المسار المدني الديمقراطي..
مما لا يكابر فيه الا مكابر أن الحوار الجاد والمنتج والمفيد، هو بلا شك أسلوب حضاري شريطة أن يكون وسيلة لغاية وليس هدفا لذاته بمعنى أن يكون الحوار من أجل الحوار فحسب، ويشترط فيه أيضاً أن تكون أسسه واضحة وأطرافه المختلفة محددة بدقة ومتفقة على القضايا والاجندة موضوع الحوار ونية الطرفين منعقدة فعلا للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، فإذا استوفى الحوار هذه الشروط عندها يكون هو الحوار المطلوب المنتج والمثمر والمحمود، أما بغير ذلك فلن يكون سوى طق حنك او احاديث نجوى ومناجاة محكوم عليه بالفشل قبل بدئه، ولن يورث شيئا سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلا من أزمات، وسيكون مثل هذا الحوار مجرد تكتيك لفرض الامر الواقع على الاطراف الاخرى او استغلال شكلانيته لتمرير سياسات أو قرارات معينة، فتلك أزمة أخرى ستضاعف ما هو قائم من أزمات..