ما ان تطأ قدماك حدود جمهورية القيادة حتى تلاحقك الابتسامات والهتافات من جميع النواحي ..موجة من المحبة تحملك على اكتافها لتدخل ..تسمع اصوات تناديك من بعيد (يا اخوانا الشاااي ..الشاي بي جاي ..شاي ما عادي ..بي موية صحة ..ومعاهو كيكة ) ..الحقيقة ان الهتافات ملحمة لوحدها ..تولدت من عبقرية هذا الشعب الخرافي ..
انظر حولك لكل الشعوب الثائرة ..تجد ان اماكن التجمعات صارت مكانا للتكسب وأسواقا لبيع الأكل والشرب والأشياء الضرورية ..الا في السودان ..صارت القيادة العامة مكان تجمع خيري ..مفتوح على مدار اليوم ..لا احد يسألك من انت ولا من اين اتيت ..لكن يسألونك هل اكلت ؟ هل شربت ؟ بل هناك صندوق به اوراق مالية لكل من يريد الذهاب (لو عندك خت ..ما عندك شيل)…هل هناك اي توثيق لكل الهتافات المرتجلة التي نسمعها هناك؟ اغنيات ومسادير حلوة وخفيفة ..تحكي عن افكار الشباب واحلامهم بالتغيير
المظاهر التكافلية في مجتمع القيادة ..رسمت لنا ملامح مستقبل السودان الجديد الذي استمد فيه الاحفاد اعراف الاجداد ومورثاتهم ..كانت هناك وقفات لطيفة ولقطات جميلة ومعبرة ..لكن هناك صور استوقفتني وجعلتني افكر طويلا فيما وراءها ..مثل صورة الطفل الذي كان يحاول تقليد الكلام المكتوب عبر رسم الحروف لانه لا يعرف الكتابة ..طفل في عمره لا يعرف القراءة ولا الكتابة !!..ترى من المسؤول عن هذا ؟
أيضا صورة الطفل الذي كان يرسم بالألوان لوحات طفولية للمارة وقال ان الجميع يعطونه مبالغ مالية سيجمعها ليرجع من حيث اتى ..ترى كيف وصل الى هنا ؟ وهل هناك من ذهب الى اهله ليطمئنهم عليه ؟..هذان الطفلان وقفت عندهما مدة طويلة ..احسست بحجم المسؤولية التي يحملانها للثورة ..احسست بكمية الامل التي تتوهج في قلبيهما وهما ينتظران غد فيه تعليم مجانيته مظلة تغطي كل السودان دون تفرقة ..تعليم يرعى المواهب ويتابع المتفردين ولا ينسى ذوي الاحتياجات الخاصة .. غد فيه ينمو الاطفال دون عقد ولا كراهية ولا تمييز ..ينتظران سودان الخير والعطاء اللامحدود.
ايام الاعتصام يجب الا تمر هكذا وتصبح ذكرى منسية ..يجب ان تؤخذ منها خلاصة التجربة التي وحدت كل قطاعات الشعب بمختلف مشاربه وثقافاته وجعلته يتعايش في بقعة صغيرة من الأرض بكل رحابة نفس ودون شقاق او مفاصلة ..الثورة وحدت الجميع لان الهدف صار ساميا بقدر الوطن ..لكن المهم والأهم الا ننسى مثل هؤلاء الأطفال ..الذين كانت لهم ارض الاعتصام مأوى وجدوه بعد طول ضياع ..وكان لهم الثوار أسرة فقدوها منذ امد بعيد …وكانوا هم الفجر الذي خرج من بين جنبات المستحيل .