صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

جريمة الصمت

11

بلا حدود

هنادي الصديق
جريمة الصمت


نفي رئيس وزارة مجلس الوزراء الأخبار التي أوردتها عدد من الصحف والمواقع الرسمية وغير الرسمية منها والتي تحدثت عن زيادات وردت في تصريح منسوب له بالبرلمان قبل أيام والتي أكد فيها أن هناك زيادة في الأجور يصل الحد الأدنى منها إلى )9899(، حيث جاء في نفيه أن ماورد في حديثه، يمثل فقط الدراسة الفنية لكلفة المعيشة، ونفى أن يكون الحديث عن زيادة الحد الأدنى للأجور.
تجمع المهنيين السودانيين سبق وان رسم صورة قاتمة لأوضاع العاملين في الدولة مشيرا إلى أن معظمهم يعيش تحت خط الفقر بسبب التضخم الذي وصل إلى 68.6% وفقد العامل لثلثي الراتب، وان الحد الأدنى بالسودان وصل الى 8 دولارات فقط مقابل 96 دولار في آخر زيادة في نهاية عام 2012. وأن الحد الأدنى للأجور يغطي 2% من احتياجات العامل ما دفع بالمطالبة برفع الحد الأدني للأجور إلى 8664 الف جنيه بدلا عن 425 جنيه، حيث أن هذا الحد المقترح يفي فقط بمتطلبات المأكل والمشرب والرعاية الصحية المنزلية.
نفي مجلس الوزراء أدخل المواطن في حالة من الغضب وضاعف من حالة الإحتقان التي يعيشها في شكل ازمات تُرجمت مؤخرا في كمية وحجم الصفوف. فقد سئم الموظفون بالقطاعين العام والخاص من )قصة الأجور(، ولم يعد أمامهم سوي حلين، أحلاهما مرَ. إما ان يكون الموظف )فهلوي( وصاحب )تلاتة ورقات( يمكن أن يتلاعب كما يفعل المتلاعبون أصحاب الثروات المفاجئة، وإما أن يتجه صوب الغربة، ولهذه )مهرها( الغالي جدا، والمعلومة نتائجها سلفا، خاصة لمن كان وراءه )كوم لحم( واسرة تحتاج للرعاية ومن يقف في رأسها.
الحل الأول، مجرد التفكير فيه يجرد المواطن السوداني صاحب المبادئ والقيم من أهم صفاته رغم ان الظروف الآنية جعلت عدد غير قليل من ابناء الوطن من اصحاب الايادي الطويلة واحيانا الأيادي النتنة.
وقد سبق للسيد رئيس الجمهورية ان بشَر عشرات المرات بتعديلات ستشهدها الموزانة خاصة فيما يتعلق بالاجور، وظل البسطاء في حالة تكبير وتهليل، ويمر العام تلو العام والمناسبة تلو المناسبة والحال يظل كما هو بالنسبة للمواطن، بينما تتضاعف ميزانيات الجهات السيادية وتتضاعف رواتب ومخصصات من لا حاجة للمواطن ولا الدولة بهم من مسؤولين ودستوريين خالي عمل، لتخصم من رصيد محمد احمد، وتشكل عبء اضافي عليه اضافة لما هو موجود اصلا.
كافة المؤسسات الحكومية لا زالت تعاني من مفارقات ابتدعها النظام وسارت عليها كافة الحكومات المتعاقبة التي اتي بها، واعني هنا التباين الواضح في ارقام المرتبات والمخصصات في المؤسسة الواحدة، إذ نجد بدعة )المستشارين( الذين لا عمل لهم في كثير من الاحيان سوي خصم مبالغ ضخمة من ميزانية المؤسسة مع نهاية كل شهر تحت مسميات سخيفة.
حالة من الغبن تجتاح قطاع الموظفين والعمال البسطاء مع نهاية كل شهر تجاه أرباب اعمالهم، وإحساس بالضيم والقهر يتضاعف مع اقتراب المناسبات التى تتطلب ميزانيات تفوق امكانياتهم الضعيفة، بينما تخرج مخصصات اضافية لاصحاب الولاء والانتماء الجهوي والسياسي والاسري. مفارقات الاجور تحتاج عشرات المقالات للحديث عنها ومقارنتها بوظائف ومهن اخري، لتعي رئاسة الدولة حجم الظلم الذي تمارسه علي الرعية التي اوصاها بها الله ورسوله.
حل ثالث فقط أمام المواطن يتمثل في وضع حدَ لهذا الوضع الغريب والشاذ، ورفض كل ما من شأنه أن يحط من قيمته ويذله ويمتهن كرامته، الرفض الجماعي بمختلف السبل والطرق هو طريق الخلاص. لأن الصمت في مثل هذه الظروف جريمة.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد