أثناء كل ثورة وبعدها يخرج الهواء الساخن من الصدور بدون أي انتظام فكل واحد من الناس (يشوت) في الاتجاه الذي يريد ويرقد إن كان ثمة رقاد على الجنبة التي تريحه ولا يابه لما يقوله الآخر لهذا يصعب جداً أن تجد إجماعاً أو شبه إجماع على أمر عام. ففي هذه الأيام التي نعيشها في السودان تجد ستين ألف رأي في أي مسألة ويخيل إليك أننا لن نصل إلى أي أمر جامع في أي شأن من شؤوننا ولكن مع ذلك لحظت ومن وسط زحمة و(تطاقش) الآراء أن هناك اتفاقاً أن تكون الحكومة المرتجاة مشكلة من عناصر قومية تمتاز بالخبرة في الشأن الذي تكلف به أي حكومة تكنوقراط.. وبالمناسبة ليس بالضرورة أن يكون التكنوقراط غير سياسي بل بالعكس بالضرورة أن يكون سياسياً وسياسياً حاذقاً لأن منصب الوزير منصب سياسي بامتياز ولكن يجب أن يكون غير متحزب أي غير منتمٍ لأي حزب فإذا تحزب يكون قد وضع نفسه تحت أجندة تنظيم له رأي وأيديولوجية جاهزة وليس في ذلك ما يعيب ولكن المنتمي حزبياً يصبح غير مستقل وستكون مرجعيته ليست الحكومة التي يعمل بها بل هي برنامج حزبه طبعاً هذا بافتراض أن لدينا أحزاباً ولها برامج وكده.
(2 )
قلنا أعلاه إن الرأي العام السوداني في تقديرنا متجه نحو حكومة خبراء بغض النظر عن من يشكلها أو مدتها, حكومة تضع برنامجها من مجلسها ولحسن الحظ أو سوئه إن البرنامج واضح جداً وهو إنقاذ البلاد من فترة حكم الإنقاذ فلئن قالت الإنقاذ إنها وجدت البلاد جنازة بحر فقد تركتها جنازة (عد) بكسر العين وهو البئر السطحية أي ليست ارتوازية وما أدراك ما جنازة العد ولحسن حظ المسؤول القادم أنه إذا أوقف التدهور سيكون قد قدم إنجازاً لا بل إذا أبطأ بمعدلات التدهور سيكون (كتر خيره)لكن الأمر المؤكد أن المطلوب سيكون أكبر من ذلك بكثير فقد ارتفع سقف الطموحات فشعب أنجز هذه الثورة الباهرة لن يرضى بغير الإنجازات الكبيرة ولحسن الحظ أن الفرصة المتاحة ستكون كبيرة فالحصار العالمي والإقليمي سوف ينتهي إن لم يكن انتهى. وإزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب سوف يتم والأهم من ذلك أن موارد السودان الضخمة والتي لاخلاف عليها ستكون عامل جذب كبير والأكثر أهمية أن الروح المعنوية مرتفعة اللهم إلا إذا حدث ما يحبط.
(3 )
أما لماذا حكومة مستقلة عن الأحزاب فذلك راجع لسبب بسيط جداً وهو أن أي حكومة حزبية مهما كان عدد الأحزاب المكونة لها ستكون لها معارضة وفي حالتنا الآن ستكون معارضة غير دستورية لأنه ليس هناك برلمان فستكون معارضة شارع شرسة جداً لكي تحرم الحزب أو الأحزاب الحاكمة من الفوز في الانتخابات التي تلي فترة الانتقال فهل حالة البلاد تستحمل هكذا معارضة ؟ ناهيك عن أن الحكومة إذا كانت حزبية فلن تتكون من حزب واحد أو حزبين (ائتلافية) لا بل ولا ثلاثة فهذه أيام الأحزاب الفكة فستكون حكومة في غاية الهزال والأهم من كل هذا على الأحزاب في هذه الفترة الانتقالية أن تهتم بإعادة بنائها الذي حطمته الإنقاذ وتتصل بقواعدها التي انقطعت عنها ويكون همها الأكبر في العمل العام هو وضع دستور دائم للبلاد وعندما تكون كلها خارج دولاب الحكم سوف تتفق على هذا الدستور. أما كيفية الوصول للشخصيات ذات الخبرة وغير المتحزبة وذات الحس السياسي العالي وهنا يجب أن يشترط ألا تدخل شخصيات الحكومة الانتقالية الانتخابات القادمة, فهو أمر سهل إذا خلصت النوايا. ويلا رشحوا كلكلم.