قال تقرير حديث بموقع صحيفة(ذا هيل) المحسوبة على الكونغرس الأمريكي إنه عندما أطاح المجلس العسكري الانتقالي بالرئيس المخلوع البشير ظلت الولايات المتحدة على الهامش، على عكس العشرين عاماً الماضية التي شهدت انخراطاً كبيراً وفاعلاً من قبل واشنطن في الشأن السوداني، ولعبت فيه دوراً بارزاً في إيقاف الحرب الأهلية بين السودان شماله وجنوبه.
الموقف الأمريكي
اعتبرت الصحيفة أن موقف الولايات المتحدة الحالي بشأن أكثر التغييرات التاريخية في السودان منذ ثلاثة عقود، خروجًا صارخًا عن الماضي، سيما عقب مواقفها من جرائم دارفور، وانفصال جنوب السودان.
ولفتت الصحيفة إلى أنه مع استمرار المفاوضات الحالية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، يظل هنالك مكون مفقود في التوصل إلى قرار يعزز تطلعات الشعب السوداني ويعزز الاستقرار الإقليمي طويل الأجل.
ويرى التقرير أن هنالك ضرورة للتعبير العلني الواضح من جانب الولايات المتحدة للمعالم المحددة لعملية انتقال سياسي تستحق الدعم الأمريكي. معتبراً أنه في الوقت الحالي، لا يوجد سبب يدعو إلى التفاؤل بأن الترتيبات التي يتم التفاوض بشأنها ستمكّن، في الواقع، صانعي القرار المدنيين، على النحو المطلوب من قبل الاتحاد الإفريقي، من الوصول إلى حكومة انتقالية تتبع أجندة إصلاح هادفة.
صفقات سطحية
وفيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة نحو السودان، قالت الصحيفة إن الميل إلى قبول صفقات سطحية وتقاسم السلطة في مواجهة صراعات إفريقية تبدو مستعصية أدى على سبيل المثال ، إلى قيام الولايات المتحدة بدعم اتفاقي سلام فيما يتعلق بجنوب السودان تم وصفهما في ذلك الوقت بأفضل الصفقات المتاحة ولكنها فشلت في تجنب مقتل أكثر من 400 ألف شخص في الصراع الذي اندلع في ذلك البلد في أواخر العام 2013.
وحذرت الصحيفة من أنه ينبغي ألا ترتكب الولايات المتحدة نفس الخطأ في السودان، حيث المخاطر أكبر، سيما وأن السودان يقع في منطقة استراتيجية تضم الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا، وسيؤدي انزلاق السودان في حرب نتيجة عدم التوصل الى انتقال سياسي، إلى أكبر فشل لدولة في التاريخ الحديث، وسيؤدي ذلك إلى انفجار اللاجئين وتجارة الأسلحة والتطرف في جميع المنطقة.
روشتة ونصائح
وقالت الصحيفة إن تجنب هذه الكارثة يتطلب من الولايات المتحدة اتباع مسارين مترابطين للعمل لتشكيل البيئة الجيوسياسية التي تؤدي للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة، بدلاً من تسوية جوفاء مع تحالف متباين، منقسم وغير قابل للاستمرار من أمراء الحرب والضباط العسكريين. وأولى المقترحات تجنب إضفاء الشرعية على المجلس العسكري وأعضائه، الذين يرغبون في استبدال البشير بدلاً من تقريب الشقة بين المجلس والمدنيين الإصلاحيين. والمقترح الثاني تبني إجماع دولي بشأن حزمة إنقاذ اقتصادية شفافة ومفصح عنها للسودان مشروطة بالسعي إلى أجندة إصلاح موثوقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن محمد حمدان دقلو “حميدتي” برز كأقوى عضو في المجلس العسكري ويتمتع بأكبر قدر من السيطرة على موارد السودان الضئيلة، معتبرة أنه حتى لو تم استخدام هذه العائدات لرفاهية الشعب السوداني، فإنها لن تكون كافية لمعالجة حجم الأزمة الاقتصادية في السودان.
خيارات محدودة
ويرى التقرير أنه على الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين توضيح أن الجهات العسكرية الفاعلة بالسودان تواجه خيارين لا ثالث لهما، إما تسليم السلطة للمدنيين، أو مواجهة الانتقادات الدولية، مشيراً إلى أن واشنطن ستكون في حاجة إلى تقديم ضمانات على أنه لن يتم تطهير هذه الجهات العسكرية حتى لا يؤدي ذلك إلى مزيد من تمزيق البلاد.
واعتبرت الصحيفة إن عملية الانتقال التي يقودها المدنيون هي وحدها القادرة على متابعة الإصلاحات الهيكلية اللازمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وإن الفهم الحالي بأن المجلس العسكري سوف يسلم السلطة للمدنيين بعد 21 شهرًا تفشل في هذا الاختبار.
وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تضع معايير محددة لأجندة سياسية بقيادة مدنية تستحق الدعم المالي الدولي، بما في ذلك فصل القطاع الاقتصادي عن الأجهزة الأمنية، وإصلاحات القطاع الأمني لإقامة رقابة مدنية، وبسط الحريات المدنية وحماية الأقليات، وإنشاء سلطة قضائية مستقلة، وآلية ذات مصداقية لإنفاذ الترتيبات الانتقالية.
تحالف للدعم
وتشير الصحيفة إلى أنه لا ينبغي تمويل الحزمة الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة وحدها، أو حتى في الغالب، من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ولكن بالتنسيق مع دول الخليج وكذلك مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تتمتع الولايات المتحدة بصوت نافذ.
وفي ظل هذا السيناريو، يمكن للكونجرس أن يعمل على ضمان خطوات لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي خطوة أساسية لإطلاق الدعم الأمريكي للسودان في المؤسسات المالية الدولية.
مشيرة إلى ضرورة أن تكون معايير المساعدات الاقتصادية معلنة حتى يتمكن جميع السودانيين من رؤية ما يقدمه المجتمع الدولي في مقابل إصلاح حقيقي. وفي حال إعاقة الانتقال المدني وسلطة اتخاذ القرار اللازمة لمتابعة هذه الإصلاحات من قبل العسكريين، فإن مسؤولية الأزمة الاقتصادية المستمرة ستقع على عاتقهم.
ونبهت الصحيفة إلى أن التحول التاريخي الذي يجري حالياً في السودان سيحدد المسار للمنطقة التي من المتوقع أن ينمو عدد سكانها بنسبة 40 في المائة في السنوات الخمسة عشرة المقبلة – خلال العقود القليلة القادمة.
وشددت الصحيفة على الحاجة إلى قيادة الولايات المتحدة لتوجيه نتائج هذا التغيير لصالح استقرار المنطقة، وتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.