ويجيب د.عصام أحمد البشير على سؤال كبير يثير كثيراً من الجدل وهو تفسير حديث – لا دينان في جزيرة العرب.
* كيف نفعل ولدينا قوله صلى الله عليه وسلم “لا يجتمع في جزيرة العرب دينان” و”اخرجوا المشركين من جزيرة العرب”؟
– أولاً: “لا يجتمع في جزيرة العرب دينان”
اجيب بالقول إن الدين هنا بمعنى السلطة يعني لا تجتمع سلطتان نديتان. ومفهوم الدين بمعنى السلطة وارد في قوله تعالى: “مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ” )سورة يوسف، الآية: 76( أي في سلطة الملك. فالمقصود سلطتان متكافئتان؛ لأن مفهوم الانتماء الوطني قديم وما كان قائماً على الدين، وبالتالي لا يمكن أن تكون سلطة مكافئة للسلطة القائمة على المشروعية الدينية في هذا الأصل، وهذا هو المقصود.
ثم مفهوم جزيرة العرب نفسه مختلف فيه، منهم من توسّع فيه إلى حدود اليمن، ومنهم من جعله في منطقة الحجاز، ومنطقة الحجاز فيها الرمزية الدينية التي لا تحتمل أن يكون معها ما هو ندّ لها. هل مع الفاتيكان سلطة أية سلطة ند؟ لا. فالفاتيكان رمزية للديانة المسيحيين في كل العالم يفيئون إليه في كل حين ووقت، وهذا هو المفهوم بالنسبة لي.
أما مفهوم إخراج المشركين من جزيرة العرب فنحن نقرأ في التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان في خيبر باليهود في الفلاحة والزراعة، وظل هذا الأمر على عهدي أبي بكر وعمر إلى أن وجدوا من الناس من يكفون حاجتهم.. وقد نصّ الفقهاء على أن الحاجة إذا كانت قائمة لهم في أي شأن من الشؤون فلا بأس من الاستعانة بهم، مادام هنالك حذر من غدرهم.. ومصالح المسلمين اليوم تقتضي مثل هذا التبادل. إذن ينبغي أن نفهم هذه النصوص في سياقها. حرمة الحرمين هذه ثابتة لا تتغيّر، ولكن بقية جزيرة العرب – على اتساعها – حصل فيها في تاريخ المسلمين هذا التداخل.
* تذكّرت الفتوى حين اندلعت أزمة العراق ودخلت بموجبها القواعد العسكرية الغربية التي توجد اليوم في بلاد المسلمين وفتح الجدل حول الاستعانة باليهود والمشركين؟
– اريد أن أقول لك أين يكمن الخلل؟ الخلل في أنه كان علينا أن نمتلك قوة ردع عربية وإسلامية ونحقق الواجب الشرعي “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ”, )سورة الحجرات، الآية: 9(، إذن لقامت قوة الردع العربية والإسلامية لردّ الباغي عن عدوانه، وما كنا نحتاج للاستعانة بهؤلاء الذين لا يرغبون فينا إلاًّ ولا ذمة وينظرون لمواردنا.
* نظرت لأزمة الفتيا نفسها؟
– ازمة الفتيا مبنية على قضية واقع الاستضعاف الذي تعيشه الأمة، وهذه الفتيا تختلف باختلاف زوايا النظر، أهل الكويت الذين وقع عليهم العدوان، وأصبح السيف مصلتاً على رؤوسهم أخذوا بفقه دفع العدو بكل ما يتيسر لهم من أسباب الدفع.
* لدفع العراق المسلم؟
– نعم. وأقرأ لك تفسير ما قالوه وما أفتوا به أنهم لم يجدوا من المسلمين ما يردع هذا البغي عنهم، كانت الدول عاجزة أن تتخذ موقف قوة ردع، فماذا يفعلون والسيف مُصلتٌ على رقابهم؟ وهناك من العلماء من قال هذا ظلم وعدوان لكن هناك عدوان أكبر منه بدخول هذه القوات، وهذا للأسف أدَّى إلى تعدد الفتيا بتعدد زوايا النظر، ومنشؤه حالة الاستضعاف والهوان الذي تمرُّ به الأمة حكاماً ومحكومين، من غياب قوة ردع إسلامية وعدل إسلامي يمكن أن نفيئ إليه في حل قضايانا، فلما عجزنا عن حل قضايانا بأنفسنا لجأنا إلى عدونا نستنصر به على بعضنا بعضاً.
* والآن الفتاوى التي يتعاطاها الشباب منصبة في إخراج هذا العدو؟
– العدو لا نستطيع أن نخرجه بمجموعة قليلة وتفجيرات هنا وهناك، العدو ينبغي أن نعد له عدة، قد تطول المدة لكن سنة الله تعالى في النصر والتمكين تأتي عبر سنن وليس عبر قطف الثمرة قبل نضجها واستعجال الشيء قبل أوانه، حتى لا يعاقب الإنسان بحرمانه. ونحن رأينا ذلك في العراق، فهل حل الإشكال؟ خرجت القواعد والعراق مايزال غير آمن، وفي أفغانستان لم يتحقق الأمان.