للفشل الذي كان آخر النتائج في سباق الثروة والسلطة والتشبث بالمناصب والسيطرة والتحكم في امور البلاد ، العادة الذميمة التي انتقدها المكون العسكري وحرمها على غيره وحللها على نفسه ، للخيبة والندامة والتي عبرت عنها القيادة العسكرية في كثير من الخطابات المباشرة وغير المباشرة ، وللظلمة التي ادخلنا فيها الانقلاب واصبحنا نتوه الآن في غسقها ، للألف ازمة وازمة وغيرها من أشكال المعاناة التي نعيشها يوميا ، وللحل الذي يبحث عنه العسكريين الآن تحت مظلات الاحزاب سرا وجهرا ، وقبله للدماء التي سفكت دون وجه حق ، وللشهداء واسرهم الذين ارهقهم إنتظار القصاص ، وللامعاء الجائعة التي غير الهم والحزن ملامح وجهها الصبوح ، لأجل الاغتسال من خطيئة التعدي على الوطن والاعتذار لهذا الشعب الكريم ، للخذلان وللغدر وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق ، لحديث قائد الجيش الذي تحدث عن تقديم تنازلات كبيرة قد تحدث انفراجا كبيرا في الموقف السياسي المتأزم من أجل تجاوز الازمة التي تعيشها البلاد حاليا منذ قرارات الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي مقرا بتدهور الوضع الاقتصادي والأمني و ان هذا التنازل يأتي لتهيئة المناخ والحوار .
لهذا ولغيره ، يجب ان يتخلى المكون العسكري من محاولة غض الطرف عن علاته والبحث عن الحلول بعيدا عنه ، الا يعتقد ابدا ان مشكلة البلاد تكمن فيه وفي قراراته الخاطئة وفي قيادته التي تسببت في هذه الازمات فلماذا لا يتنحى الفريق البرهان قبل بدء المكون العسكري في اجراء الحوار مع القوى المدنية ويأتي بديلا له من القيادة العسكرية ، وبعدها يشرع الجميع للبحث عن سبل الحوار والتوافق الوطني بين المكونات السياسية والاحزاب ، فإن كان صعبا على البرهان التنحي ومُرا ومؤلما ، لماذا لاتقوم المؤسسة العسكرية بابعاده والدفع بشخصية عسكرية لا خلاف حولها ، لتبدأ المؤسسة العسكرية صفحة جديدة مع المكونات السياسية حتى تكون طاولة الحوار خالية من الأحقاد والغبن والضغائن .
فالمكون المدني تنازل من قبل عندما تخلى رئيس مجلس الوزراء عن منصبه ، من أجل الوطن ولحقن الدماء ، دون ان يكلف رهق الخروج ضده او تقديم ارواحهم ثمنا لذهابه بالمقابل ظل المكون العسكري يحتفظ بذات الوجوه ويحرص على فرضها على المشهد السياسي وكأنها ، رُسل أنزلت من السماء ، فضبابية المشهد السياسي الذي تشهدها الغرف المغلقة وحالة المخاض السياسي، لولادة واقع جديد ، ولكي لايأتي المولود مشوها لابد من اجراء عملية استئصال للورم الذي يهدد حياة المولود بالخطر ، فضرورة التنازل من اجل الوطن الذي يتحدث عنها قائد الجيش لن تترجم حقيقة مشاعره وصدقها ، ولن تكون مرضية وتعبر عن رغبة داخلية غير زائفة ، إلا بعد ان يتنازل عن منصبه ، فقبل الشروع في البحث عن الطرف الآخر للتحاور والتفاوض ماذا عن الطرف الدائم و(الثابت) من الشق العسكري ، فحدوث تغيير في قيادة المكون العسكري أمر واجب وضروري كخطوة اولى للتغيير السياسي على أن يتم ذلك طوعا باختيارهم ، او كُرها عبر المؤسسة العسكرية المهم ان بناء أي اتفاق سياسي تحت رئاسة البرهان سيكون طبخة سياسية ( نية وفاسدة ) .
لذلك ان الاعلان عن واقع ومشهد سياسي جديد يجب ان يسبقه تنازل حقيقي بتنحي قائد الجيش والبحث عن شخصية عسكرية أخرى ، ومن بعد ذلك يتم البحث عن الحلول ، فالحديث عن تسوية سياسية مع ذات الوجوه التي اذاقت الشعب الويل هو عار وجريمة في حد ذاتها ترتكب في حق الشعب الوطن تستحق المحاسبة والعقاب .
كما ان تصريحات البرهان ربما تكون حديث مودع و(مفارق) اطلق عبارة ضرورة التنازل من اجل الوطن ، لتكون تلويحة اخيرة على عتبة الوداع و بداية لاستعداده الرحيل فالانقلاب المحاصر داخليا وخارجيا تمارس عليه الآن ضغوط دولية واقليمية بالغة ، قد يكون البرهان هو مقياس الوزن المناسب الذي ببعاده يتم ترجيح كفة الوطن .