أصبحت موضة هذه الأيام أن يشتم وزراء ومسؤولون ومنسوبون للنظام الشعب، فمنهم من وصفهم بالأجلاف والذين لم يعرفوا الأكل إلا مع الإنقاذ ومنهم من وصفهم بـ)المقطعين(، وأن الشخص الواحد لم يكن يملك أكثر من قميصين، وثالثة وصفتهم بالسفه والإدمان، وأخيراً وصف وزير سابق العاملين بالطيران المدني بالكفار وشبههم بقوم سيدنا نوح.
عموماً الشتارة سمة مميزة لأهل الإسلام السياسي بالسودان، وقابل ذلك )نحسَت جتة المواطن السوداني(، ولم يعد يعنيه ما يقولون، فهو في وادٍ وعم في وادٍ آخر. فقد أضحى المواطن زاهداً في أخذ أو حتى المطالبة بحقوقه، وبالتالي من الطبيعي جداً أن يكون زاهداً في البقاء بدولة لم توفر له أبسط الحقوق، ويفضل عليها الهرب خارج حدود الوطن حتى وإن كان لإسرائيل التي يدور الهمس جهراً حول اتجاه الحكومة السودانية للتطبيع معها.
جوع وعطش ومرض وأُميَّة ورغم ذلك يصفونهم بالتخلف والرجعية، ومن في قلبه ذرة رحمة، يطالبونهم بالصبر ويرددون لهم: )إن الله مع الصابرين(، ونسوا قول القائل: )كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته(.!!
انشغلوا بشؤونهم الخاصة وشؤون نسائهم وأبنائهم ونسوا الشعب الذي أصبح ضحية لممارساتهم، ولم يعد في نظرهم سوى فأر تجارب.!!
ورغم علمهم التام بمواطن الداء ومكان الدواء إلا أنهم يصرون على المزيد من الضغط على الشعب المسكين، مرة بالحوار الوطني، وأخرى بالحوار المجتمعي، ومرة بقانون الانتخابات وأخرى بتعديل الدستور، وكلها مسميات فضفاضة لا تخدم المواطن ولا الوطن، بل هم أدرى الناس بذلك ولكن لا بأس بالمزيد من كسب الوقت طالما المواطن صابر وراضي وقانع بما يحدث.
الحل ليس في الحوار الوطني ولا قانون الانتخابات ولا تعديل الدستور، الحل الوحيد يكون بذهاب النظام وحلَّ الحكومة، وتعيين حكومة )تكنوقراط( تمهيداً لإصلاح حقيقي بعيداً عن المزايدات.
المواطن لا يبحث عن قيادة تتفنن وتتبارى في استفزازه وقهره بشتى السبل، الشعب يريد قيادة همها الأول والأخير إصلاح ما تبقى من رصيد في حساب الوطن من بني تحتية وبنى أساسية لأنها أساس الدولة. وليس كما أراد مكاوي أن يوهمنا باستراتيجية للسكك الحديد لم يفكر فيها وهو جالس على عرش وزارة النقل، المواطن يبحث عمن يعبد له الطريق وليس من يقوده إلى التهلكة وتبعاتها المعروفة )الانتحار، السرقة، الزهج، الفلس، الهجرة القسرية، الاعتقال، الجوع، العطش، وغيرها من مسببات التعاسة التي أصبحت متلازمة للشعب السوداني(.
السودان بلد ممتلئ بالخيرات والخبرات لا تنقصه الكفاءات ولا يحتاج للبحث عن مكانته بالتنازلات ولا بالقروض الربوية ولا التسويات السياسية، السودان يحتاج فقط لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
السودان لم يعد يحتمل إقصاء الآخر لمجرد أنه ليس على ديني، ولا يأتي على هواي.. السودان الطيب لا يحتاج لاستراتيجيات وهمية ولا لحوارات وسمنارات وورش، فقد شبع منها دون أن يجني المطلوب. السودان يحتاج لتنحي عام في جميع مؤسسات الدولة، واحترام رغبة المواطن في التغيير من الحال الماثل، والأكيد أن الاستفزاز والقهر والجوع والكبت والمرض سيولِّد ما لم يكن ينتظره أباطرة النظام وسيكون هو الصدمة الحقيقية التي تنتظرهم.