درجت كل الأجهزة النظامية من جيش ودعم سريع وشرطة ومخابرات ومسلحي حركات، على تبرير ما يرتكبه منسوبوها من تجاوزات وتعديات وانتهاكات ضد مواطنيين عزل، بأنه تصرف فردي معزول ولا علاقة للمؤسسة به، ثم بعد هذا التبرير الفطير يعلنون على طريقة (عدي من وشك) توقيف المعتدين واخضاعهم للتحقيق توطئة لمحاكمتهم، وتنتهي القضية عند هذا الحد دون معاقبة المجرمين، ونقول مجرمين لأن ما يرتكبه هؤلاء النظاميون هو جريمة مكتملة الأركان، بل ومركبة يقاضي عليها القانون العسكري والقانون الجنائي المدني أيضا، ونظن ونأمل أن نكون مخطئين في ظننا، أن هيئة الاستخبارات العسكرية التي اعتدى بعض أفرادها بوحشية مفرطة على الزميل الصحفي علي الدالي الزمته سرير المستشفى، لن تكون استثناء مما درجت عليه كل الأجهزة النظامية، بأن تنتهي هذه القضية في المحصلة الى لا شئ، فعلى ذات النهج المعتاد، أعلنت هيئة الاستخبارات بدء إجراءات التحقيق في ملابسات اعتداء بعض منسوبيها على الصحافي إثر مشاجرة بين أحد الأفراد وبعض المدنيين، بل وشرعت فعليا في اجراء التحقيق، ولكنها وكالمعتاد من غيرها من الأجهزة النظامية، أكدت أن تصرف منسوبيها لا يمثل إلا القائمين به ولا يخرج عن سياق التصرفات الفردية، مشددة على أنه سيقابل بالإجراءات القانونية التي تحفظ الحقوق وتمنع تكراره..والى هنا لم يخرج ما قالته هيئة الاستخبارات عن الذي اعتدنا سماعه عند وقوع أي اعتداء من فرد أو أفراد نظاميين على مواطن أعزل أو مجموعة منهم، ويبقى المحك في منع تكرار مثل هذه التعديات والانتهاكات، وأن تختفي نهائيا عبارة (تصرف فردي تقع مسؤوليته على الضالعين فيه والمؤسسة منه براء)..
لقد تكاثرت بشكل لافت ومقلق اعتداءات بعض الأفراد النظاميين على المواطنين المدنيين العزل، بل أن الاعتداءات على الأطباء لم تتوقف حتى بعد صدور القانون الذي يوفر الحماية للأطباء، ورغم ذلك كلما وقع اعتداء من نظامي على مدني أعزل، تخرج علينا المؤسسة التي يتبع لها هذا النظامي لتبرر الاعتداء بأنه (تصرف فردي لا علاقة للمؤسسة به)، ومن كثرة ما كررت الأجهزة النظامية هذا المبرر حتى صار بائخا وغير مبرر وغير مبرئ لذمة الاجهزة النظامية، أو على قول الشباب أصبح (حنك بيش)، وهذا ما يفرض على هذه الأجهزة أن تضبط تصرفات أفرادها وفقا للقانون، وأن تخصص لهم من بين دوراتها التدريبية دورات مكثفة عن حقوق الانسان، يتعلم فيها النظامي عدم الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الانسانية، ويعرف كيف يصون حياة الناس وسلامتهم البدنية، وأن لا يأخذ القانون بيده حتى في حالة ضبط المجرمين، اننا نأمل ان تتخذ الأجهزة الأمنية من التدابير والضوابط ما يجعل حادثة الاعتداء على الزميل الصحفي علي الدالي هي الأخيرة، والا ستبقى مشروعة ومنطقية تلك المطالبة المنادية بانتداب قضاة تحقيق مدنيين للتحقيق في مثل هذه الجرائم اذا وقعت مجددا، وتقديم الضالعين فيها من أفراد الأجهزة النظامية إلى المحاكمة الجنائية أمام القضاء المدني، فأن تتكرر مثل هذه الحوادث بهذا المعدل الكبير، فلا يعني هذا سوى أن هناك تقاعس وعدم جدية في لجم هذه التصرفات الرعناء المسماة (تصرفات فردية) ووقفها عند حدها..