ما أروعها وما أقواها وما أوعاها هذه العبارة السديدة (تسجني ممكن..تسجن ثورة مستحيل)، والعبارة لواحد من جيل الثورة الواعي وشبابها الباسل، قالها في ثبات وثقة في معرض تعليقه على حملة الاعتقالات المسعورة والمحمومة التي تنشط فيها السلطات الانقلابية، التي أجرت حولها الزميلة الصحافية الشابة المثابرة فدوى خزرجي تحقيقا لصالح هذه الصحيفة (الجريدة) نشرته أمس تحت عنوان (اقتحام منازل الثوار.. تكرار سيناريوهات النهج الكيزاني)، وكأني بهذا الشاب الثائر السوداني الذي لايحلم فقط بسودان جديد وواعد وتغيير شامل وكامل يتجاوز كل خيبات ووكسات الماضي القريب والبعيد، بل يكد ويجتهد ويبذل حتى نفسه لكي يصبح هذا الهدف الغالي والسامي حقيقة، كأني به يستذكر ويستلهم معاني الكلمات القوية التي نظمها شعرا الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في صمود وبسالة الثوار الجزائريون حتى النصر،ولمناسبة الحال للحال نقتطف من هذه القصيدة (الثورة) بعض أبياتها..يقول درويش..
أنا قبلما اعطيتني نور الحياة ولدت ثائر
لو تسألين الصخر و الغابات والسفح المكابر
لو تسألين الساحل المذبوح والشط المهاجر
لو تسألين ذراع طفل علقوه على الخناجر
لو تسألين بكارة العذراء تشوى بالسجائر
لو تسألين حذاء جندي ٍيدق ُ على الحرائر
بقرت ْ حراب النذل بطن َ الحاملات ِوظلّ حائر
فالوحش يقتل ثائراً والأرض تنبت ألف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت َ المقابر
لقد صدق هذا الثائر الشاب، فحملة الاعتقالات الشرسة التي تطال لجان المقاومة والناشطين، لن تحقق هدفها في اخراس صوتهم وحسر مواكبهم الاحتجاجية، فقد اثبتوا عمليا انه كلما اعتقل منهم ثائر واحد نبت عشرة ثوار في مكانه وسدوا الفرقة باضعاف، ولن تفت هذه الاعتقالات في عضدهم ولن تشتت شملهم غير أنها تكشف مدى تضليل الانقلابيين حين زعموا باطلاق المعتقلين كافة في غضون ثلاثة أيام، فاذا بهم يضاعفون كل يوم اعداد المعتقلين والمحبوسين، ولاتزال الملاحقات واقتحام البيوت وارعاب الاسر الامنة مستمرا، كما تفضح هذه الاعتقالات زعمهم الاخر بتهيئة الاجواء كي ينعقد الحوار الشامل في مناخ صحي وصحيح، ولكنهم حتى الان يصدق فيهم المثل القائل (اسمع كلامك اصدقك اشوف فعايلك استعجب)، وهذه والعياذ بالله صفات المنافقين،ألم تسمعوا أو تقرأوا كلام البرهان الذي قال فيه أنه يجري العمل على تهيئة المناخ للحوار الشامل في البلاد، مشيرا إلى أنه ستكون هناك انفراجة كبيرة بملف المحتجزين في السجون، فكيف يستقيم معه حملات الاعتقالات الجارية، فالذي يجري عمليا ليس هو العمل على تهيئة المناخ للحوار، وانما ما يجري هو العمل على توسعة دائرة الاعتقالات ومضاعفة أعداد المعتقلين، فما تزال السلطات الامنية وخاصة بعد اعادة السلطات لجهاز الامن كما كانت خلال العهد البائد، تنشط في تنفيذ حملات اعتقالات واسعة على لجان المقاومة بكلّ محليات ولاية الخرطوم واحيائها، لإسكات حراك الشارع باستهداف واضح لقيادات لجان المقاومة والفاعلين من عضوية الأحزاب السياسية والأجسام النقابية والمهنية، وكانت تلك الحملات تتم بطريقة بربرية ووحشية تعيد للذاكرة ما كان يحدث خلال الحراك الثوري في العهد البائد، حيث يهجم الجند على منازل الثوار ويداهمونها بهمجية تبث الرعب في أفراد الأسرة وتقتحم عليهم خصوصياتهم، وللعجب ان لم تجد المستهدف بالاعتقال تقتاد بدلا عنه احد افراد الاسرة كرهينة..فأي حوار سيتم في ظل هذه الاجواء وأي تسوية ستكون..هذا مجرد تلاعب بالالفاظ ولعب على الزمن..