رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، والحمد لله بدأنا.. فجر أمس توافق الطرفان، قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري على “الوثيقة الدستورية” التي تحكم الفترة الانتقالية، وأصبح الطريق مفتوحا الآن لتكوين مؤسسات الحكم الانتقالي العليا، ثم تدشين البرامج التي تحقق “الحلم السوداني” في وطن كريم شامخ.
الآن فقط؛ انتقلنا من مرحلة الثورة إلى الدولة، والعمل المطلوب أكبر كثيرا.. فبناء الدولة ليس مجرد أماني تحملها الشعارات والهتافات، هنا الحكمة والبصيرة والصبر والعزيمة والإرادة مطلوبة بأضعاف ما كان الوضع عليه في مرحلة الثورة.. ولأننا أهدرنا زمنا غاليا في الوصول إلى هذه المرحلة فالأجدر الآن أن نشد الرحال ونعقد العزم للتعجيل بمطلوبات المرحلة الجديدة.
أقترح أن تكون هذه المفاهيم هادية للمرحلة الجديدة:
أولا: المؤسسية، أولا وثانيا وعاشرا، أحذروا من فخ المؤسسات الموازية التي تستولد قرارات كبيرة تؤثر على كيان الدولة، المطلوب الآن تأسيس دولة المؤسسات.. لضمان أن تولد القرارات من رحم أم وأب حقيقيين لا أطفال أنابيب..
ثانيا: دولة القانون؛ ضبط الأداء العام للدولة وفق القانون، ومهما كان القانون معيبا فهو قابل للتعديل، ولكن تطبيق قانون معيب أفضل من قانون الـ(لا) قانون.. ودولة تبدأ بفصل السلطات الثلاث وتعزيز استقلالها خاصة السلطتين القضائية والتشريعية.
ثالثا: التخطيط الاستراتيجي، يجب أن يكون هو البوصلة التي تقود الدولة أسهل طريق إلى الفشل هو “دولة اليوميات” التي تعيش يومها بيومها. والعقول التي يعهد إليها بالتخطيط لا يجب أن تنشغل بـ”التكتيك” اليومي في المؤسسات التنفيذية.
رابعا: تحجيم الملعب السياسي لصالح تعظيم دور المجتمع ومؤسساته، الحكومة الصغيرة تصنع دولة كبيرة ..
خامسا: لا بد من الوصول إلى نقطة (المصالحة الكبرى).. التعافي الوطني.. دون تأثير على العدالة.. لتتطهر المؤسسات السياسية والتنفيذية من أدران الماضي وتظل المؤسسات تؤدي أدوارها ولكن يظل مبدأ الحساب على جرائم الماضي قائما وفق القانون والعدل. المطلوب صناعة دولة حديثة تنطلق بجناحي الحكم والمعارضة معا بلا تناقض أو نقض لغزل كل منهما للآخر.
بلادنا موعودة بخير كبير ووفير على بعد أمتار قليلة لكنها محفوفة بمنعرجات وهضاب ومطبات، تتطلب الحكمة والبصيرة والعقول المستنيرة التي تقود البلاد بقلوب وضمائر لا تئن تحت وطأة الغبن والمرارات.
مبارك لشعبنا.. و”ربنا يتم على خير”..