لم تكف السلطات الانقلابية عن تكتيكاتها والاعيبها لتعويق وتقويض وافشال الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للمساعدة في طي الأزمة المستفحلة التي تسبب فيها الانقلاب، حيث ينوب عنها السيد فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس المشكلة بواسطة قرار من مجلس الأمن، عبر قيادته لعملية سياسية تهدف إلى كسر الجمود السياسي الحالي في السودان وتطوير مسار نحو الديمقراطية والسلام.اذ لم تكتف السلطات الانقلابية بممارسة العنف المفرط على المتظاهرين السلميين وقتلهم ودهسهم، رغم الادانات الدولية والاقليمية المتوالية لهذا العنف المميت والمطالبة بوقفه الفوري،فعندما فشل العنف والقتل في ايقاف المد الثوري وكسر شوكة الثوار، لجأوا الى تكتيك آخر فعمدوا الى صناعة شارع آخر مواز للشارع الثوري ومضاد له يتكون قوامه من الفلول وداعمي الانقلاب من الوصوليين والانتهازيين والمرتشين، وأيضا عندما لم يجدي فتيلا هذا الشارع المصنوع والمزيف والمكري بالفلوس والمحمي بالجنود، عمدوا الى شل حركة الرافضين للانقلاب والمطالبين بالحكم المدني الديمقراطي، فهجموا على النشطاء من السياسيين في الاحزاب ولجان المقاومة والفاعلين في فضاء المجتمع المدني والحقوقي و اودعوهم المعتقلات والسجون، هذا غير الاقتحامات البربرية التي طالت عددا من مقار الاجهزة الاعلامية والمحاولات المستمرة لارهاب الصحافيين والاعلاميين ومنعهم من أداء عملهم المهني الاحترافي..
كل هذه الممارسات القمعية الديكتاتورية الفاشية، قصدوا بها تثبيت الانقلاب وتوطيد أركانه واعادة البلاد الى أوضاع ما قبل ثورة ديسمبر، وبدا ذلك واضحا في اعادة كثير من منتسبي النظام المخلوع لتولي وظائف قيادية في دولاب الدولة، اضافة الى جملة من الممارسات والقرارات الارتدادية التي ارتدت بالبلاد الى عهد الشمولية القابضة والديكتاتورية البغيضة، وهذ كله يؤدي في المحصلة الى تعويق جهود فولكر وافشالها، بالابقاء على المسار الانقلابي والتشويش على المسار الديمقراطي والمدني الذي يسعى فولكر للعودة اليه، فليس لحوار مثل الذي ينخرط فيه فولكر لاحداث اختراق في الازمة، يمكن ان يكون منتجا ومثمرا في ظل هذه الاوضاع الانقلابية،
فعمليات القتل المستمرة والاعتقالات والاحتجاز التعسفي المتواصل لشخصيات سياسية ونشطاء المجتمع المدني والصحافيين، لايمكن ان تفضي الى شئ سوى تقويض الجهود المبذولة من قبل الامم المتحدة لحل الأزمة السياسية، اذ كيف لمن قتلوا من رفاقهم تسعا وسبعين نفسا وما زال القتل يتهدد المزيد، ان يفاوضوا ويحاوروا، وكيف لمن اعتقل عددا من رفقائهم السياسيين واكثر من الفي ناشط ان يفاوضوا ويحاوروا..لقد صدق الدكتور الترابي رحمه الله حين قال (لا رأي لحبيس)،قيل أن الشيخ الترابي حين نشطت الجوديات ومحاولات رأب الصدع بين القصر والمنشية على أيام المفاصلة الأولى، وكان هو حبيس أحد السجون، زاره في محبسه مجلس جودية بغية مناقشته للملمة الموضوع وإعادة اللحمة بين الفريقين، ولكن الترابي ردهم خائبين بكلمة جامعة مانعة مؤداها أن (لا رأي لحبيس)، فليس من المعقول محاورة شخص لا يملك حتى حريته فكيف له أن يملك حق التفاوض، هذا أمر مضحك وشر البلية ما يضحك..