لازال بعضا ممن لم يفق من الصدمة يتعشم في إعادة عقارب الساعة للوراء، لإستعادة حكم 30 عاما، حكم عرف بأنه الاسوأ في تاريخ السودان والمنطقة، حكم أقل ما يوصف به ( سيئ السمعة والسيرة والسريرة).
دعوات جادة لما تسمى (مليونية 14 ديسمبر الأخضر) تحت شعار مثير للشفقة والضحك في آن ، وهو (إعادة تصحيح مسارالثورة).
ولا ندري عن أي ثورة يتحدثون، فغرابة الدعوة تكمن في إصرارهم العجيب على أن تأتي دعوتهم في ذات توقيت إحتفالات البلاد بالثورة المجيدة التي جاءت رفضا صريحا وقويا على حكمهم الذي تسبب في دمار البلاد طولا وعرضا، وفي أنهم لا زالوا بذات الثقة المفرطة التي تقودهم لدعوة منسوبيهم للخروج للشارع لفرض ذات الوصاية المرفوضة على الشعب الذي إرتضى قيادته الحالية وطريقة الحكم حسب ما جاء في الوثيقة الدستورية.
هؤلاء يعتقدون بأنهم لا زالوا بذات القوة السابقة، ويرفضون الإعتراف بالهزيمة على جميع المستويات، ويطالبون ذات الشعب الذي ثار عليهم ثورته العارمة قبل عام ولفظ حكمهم وحكامهم وأودع رؤوس الأفاعي منهم في السجون في إنتظار محاكمات قضائية عادلة بعد أن تمت محاكمتهم من الشعب حضورا وغيابا عبر لجان الأحياء وعبر وسائل الإعلام التقليدية والإعلام الحديث، فجاءت الدعوة التي اعتبرها (تحرش سياسي) لا معنى له، فهم غير معنيين بهذه الثورة من قريب او بعيد ولم يشاركوا في قيامها حتى يطالبوا بتصحيح مسارها.
ثورة قتلوا خلالها المئات من شباب المستقبل في سبيل البقاء والتشبث بحكمهم، لا يجب أن يطالب أحدا منهم حكومتها بأن تفعل كذا ولا تفعل كذا، لأن ذلك يعني (قوة عين وجلد تخين)، فالأولى لهم أن يتنحوا جانبا ويتركوا الشعب المظلوم يقرر مصيره بعد أن فرضوا عليه قوانينهم القمعية وخطفوا اللقمة من فمه وأوسعوه فقرا وجهلا وفسادا.
شخصيا ضد فكرة منع قيام المسيرات لأن ذلك يدخل في باب كبت حرية الرأي الذي طالبنا به بعد أن عانينا منه سنين، ومن ناحية أخرى حتى يعلم هؤلاء حجمهم الحقيقي وسط المواطنين، فربما تكون هذه آخر مرة يطالبون فيها بالخروج على الحكومة الحالية أو ينادون خلالها بإستعادة حكمهم البائس، فذاكرة الشعب لا تنسى.
دعوة باطل أريد بها تأكيد الباطل، هذا هو بالضبط تقييمي لهذه الدعوة، وخيرا فعل أهلها بأن بدأوا يتنصلون عن قيامها أو يلمحون بذلك بعد أن تأكدوا من رأي الشارع فيها من خلال الحملات القوية للشرفاء في وسائل التواصل الإجتماعي، والذين توعدوا كل من يخرج في مسيرة 14 ديسمبر بمعرفة حجمه الحقيقي، إضافة لخوفهم من السلطات التي إستجابت أخيرا لرأي الشارع بحل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة دوره وممتلكاته بجانب حملات الإعتقالات الواسعة التي طالت عددا من رؤوس الفساد وإيداعهم في سجن كوبر، وخروج قوائم شبه يومية بقوائم الفساد من شركات ومؤسسات للنظام السابق وحزبه المحلول.
كل هذه وغيرها من اسباب تجعل العقلاء من اصحاب الدعوة المفخخة (إن كان فيهم عاقل) التراجع الفوري عن هذه الخطوة الإنتحارية التي ستعجل بنهايتهم نهاية بشعة كحزب سياسي وكأفراد، إضافة للكثير جدا من الخسائر التي ستظهر لاحقا.
دعوة للعقلاء منهم، إبتعدوا عن الحياة السياسية بشكل عام، واتجهوا لعمل دراسة نقدية لتجربتكم في الحكم فربما عرفتم فداحة أخطاء قمتم بإرتكابها في حق انفسكم قبل الشعب.