العنوان أعلاه مقتبس من قصيدة حلمنتيشية شهيرة، والقصيدة تصور حال طالب جامعي وقع في غرام زميلة له، ورغم هيامه الشديد بها إلا أنه لم يقو على مفاتحتها والتعبير لها عن حبه، وظل هكذا مترددا يراوح مكانه رغم تباريح الهوى التي تجتاحه، ورغم محاولات أصدقائه الحثيثة معه لحثه على مفاتحة محبوبته،حتى جاء ذاك اليوم الذي رأى فيه محبوبته برفقة خطيبها وربما حبيبها الله أعلم، وفي تلك الأثناء وصفت القصيدة حال عبدو المشوكش قائلة فيه: “وقعته في شارع الزلط.. تبكي وتجعّر والعيون اتورّمت.. ويد القميص، ضهر القميص، كم القميص حتى الفنيلة اتشرّطت.. يا عبدو لا يا عبدو عيب.. قوم يلا صلي على الحبيب.. الواطة صبحت دايرين ننوم.. يا أخوانّا لأ أنا عايز أموت أقع البحر.. ياعبدو لا ياعبدو عيب الدنيا حر والموية بتسخّن عليك.. ثلاثة ساعات زولنا يسب ويكيل.. ودموعو سايلات بالكفوف وشرايطو تلمع في الكتوف”، ولكن رغم رجاءات أصحابه له بأن يستهدي بالله وأن لا يقع البحر إلا أنه أصر وألح إصرارا (وتاني قام جاب سيرة البحر)..
وحكاية المجلس العسكري مع الإنترنت هي ذاتها حكاية صاحبنا عبدو مع البحر، فهاهو المجلس العسكري الذي عمد لقطع خدمة الإنترنت لحوالي الأربعين يوما، أعاد خلالها البلاد إلى حقبة العصور الوسطى، وجعلها جزيرة متخلفة ومعزولة في محيط عالمي هادر بالتقنيات والتقانات والبرمجيات، قبل أن تعيد أحكام قضائية عادلة ونزيهة خدمة الإنترنت، هاهو المجلس العسكري (قام تاني جاب سيرة الإنترنت). رغم نصح الناصحين بعدم جدوى الحجب الذي ستترب بسببه أضرار عليهم بأكثر مما توقعوا من نفع. هذا غير الأضرار الضخمة والخسائر الفادحة التي يوقعها على قطاعات مختلفة من المجتمع، ففي الأنباء أن المستشار القانوني لرئاسة الجمهورية، تقدم بطعن لدى محكمة الخرطوم الجزئية طالبا بموجبه إلغاء قرار عودة خدمات الإنترنت بالبلاد. ولكن المستشار القانوني لجمعية حماية المستهلك اعترض على الطعن لعدم وجود مؤسسة للرئاسة في البلاد، بعد سقوط الرئيس المخلوع عمر البشير. وعلى المستشار القانوني الذي تقدم بالطعن إحضار مكتوب رسمي يوضح الجهة التي يمثلها. ولا ندري سببا لهذا الإصرار على معاداة الإنترنت أو فلنقل الخوف منه، غير أنها محاولة يائسة لإخفاء (أشياء) لا يراد للناس الاطلاع عليها، ولكن هيهات إذا كان المقصود عمليات القتل والسحل التي وقعت عند فض الاعتصام، فتلك صارت عند الناس من المعلوم بالضرورة، بل موثقة ومحفوظة ومتداولة، ولن تفيد لطمسها عمليات الحجب فقد سبق السيف العزل، ولا ندري أيضا أسباب توجس قيادات المجلس العسكري من الإنترنت، في الوقت الذي يحرص فيه الرؤوساء والوزراء والسفراء وكبار المسؤولين الرسميين في مختلف بقاع العالم على التعامل مع الإنترنت، وتدوين آرائهم وتعليقاتهم وملاحظاتهم حول مختلف القضايا والمواضيع عبر وسائط التواصل الاجتماعي من تويتر وانستغرام وفيسبوك وغيرها، إلا جماعة مجلسنا العسكري لا يتعاطونه فحسب، بل يتوجسون منه خيفة وتلك لعمري منقصة وعيب كبير عليهم التخلص منه سريعا..