صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بنزين البرادو.. وعلف الحمار!!

11

حديثة المدينة

عثمان ميرغني

بنزين البرادو.. وعلف الحمار!!

السيد معتز موسى رئيس مجلس الوزراء التقى بعدد كبير من الصحفيين عصر أمس في مقر الزميلة صحيفة “السوداني”.. وأعاد تكرار إيمانه بمبدأ ونظرية.. )بنزين البرادو- علف الحمار(.. وللدقة وأمانة النقل الاختصار من عندي..
يقول رئيس الوزراء إنَّ دعم البنزين لصاحب عربة برادو في الخرطوم، يحتم أن تتولى الحكومة شراء العلف لحمار رجل في قرية )……..( وذكر اسم القرية، لكني هنا احتراماً لأهلها أتجاوز الاسم خشية سوء التفسير وحساسية الانتماء..
وكنتُ كتبتُ هنا قبل أكثر من شهر أردُّ على هذه النظرية التي يكرر بإلحاح السيد معتز إيمانه العتيد بها.. وأوضحتُ الخلل الخطير فيها.. وأجدني الآن في حاجة لمزيد من توضيح ردِّي عليه..
نظرية معتز هذه تكرس مبدأ التمييز بالاستهلاك لا بالإنتاج.. فالتمييز بين مواطن وآخر لا يجب أن يقوم على مبدأ كم يستهلك، بل كم ينتج.. ولنأخذ مثالاً من “البرادو” والحمار..
صاحب “البرادو” لو كان رجل أعمال يملك مصنعاً أو تاجراً مصدراً لسلع سودانية وفرت له الثراء الذي جلب له السيارة “البرادو”، والبيت الفاخر في الخرطوم، فهو لا يقاس بكم يأكل أو يستهلك من بنزين في سيارته.. بل بعدد العاملين في شركاته ومصانعه .. والإنتاج الذي يضخه في شرايين الاقتصاد السوداني.. ومثل هذا الرجل لو وفرت الحكومة لسيارته الوقود مجاناً لوجه الله، فهي لن تستطيع مكافأته عن صنيعه تجاه مئات أو ربما آلاف الأسر التي تكتسب الرزق الحلال في شركاته ومصانعه..
وراء كل رجل أعمال ثري عشرات أو مئات أو آلاف الفقراء الذين سخره الله لهم.. ومهما فعل هذا الثري فهو لا يستطيع أن يأكل بأكبر من حجم معدته التي تشبه وتساوي معدة كل فقير في ما تسعه.. صحيح تتنوع خيارات الثري وتشح خيارات الفقير، لكنها فطرة الله في الكون، تفاوت الكسب والأرزاق..
وكلما زاد عدد الأغنياء في بلد، زادت مصادر الرزق واتسعت خيارات فرص العمل.. طبعاً المقصود بالأغنياء هنا الذين يبلغون هذه الدرجة بالكسب الحلال لا أثرياء الغفلة الذين يقتاتون من رحيق دم الشعب ..
من الحكمة أن يؤمن السيد رئيس الوزراء بـ)الحقوق( المتساوية لكل المواطنين في الحياة الكريمة بوطنهم.. والحقوق لا تعني الحظوظ..فـ)الحقوق( لا تعني توفير علف الحمار.. بل العمل والرزق الحلال بالمستوى الذي يليق بكل مواطن حتى سكان قرية )……(.. وهذه الحقوق تشمل الكهرباء والماء والصحة والتعليم والسكن الكريم والبيئة الصالحة، وسبل النقل والانتقال والاتصال.. كل هذه في قائمة )الحقوق(..!! لا علف الحمار..
وهناك فرق بين )المساواة( و)العدل(.. فالمساواة تعني أن تمنح الجميع بنفس المقدار.. بلا نظر لتفاوت مقادير ما يمنحونه هم للآخرين.. فيستوي الذين يعملون والذين لا يعملون.. لكن العدل يعني أن ينال كل بقدر ما يستحق.. فالذي يشيد مصنعاً يعمل فيه ألف عامل، ويدفع الضرائب التي تساعد الدولة في تقديم الخدمات للآخرين وليس له هو بالتحديد.. لا يمكن أن يتساوى في المقدار مع آخر عاطل من الهمة لا يعمل إلا بقدر ما يكفي إسكات جوع بطنه.. بل؛ دعم الدولة للغني الناجح والجاد في عمله هو دعم لكل الفقراء الذين يعملون لديه..
نحن في حاجة ماسة لبناء )رؤية( وطنية لبلد شامخ، فمثل هذه النظريات التي يؤمن بها السيد رئيس الوزراء ستحافظ على وطننا في مربع )الأزمة( والطوارئ.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد