من أسبابِ وجود حزب الأمة كلاعب رئيس في الملعب السياسي السوداني، هو اللياقة العالية بسبب عدم انقطاعه عن مُمارسة السياسة، ولمشاركته (الفعلية) مع كُل الأنظمة العسكرية التي توالت على حُكمِ البلاد، ولم يعتاد الجلوس طويلاً في دكةِ الاحتياطي، مع الحِرص على صناعةِ الفُرق والنُجوم، فريق لمشارِكة السلطة، وآخر يجلس في ضفةِ المُعارضة للتنديد بالسياسات، وآخر جاهز للمفاوضات ولتجسير الهُوة بين المُعارضة والسُلطة، وصفحات التاريخ مملوءة بالأمثلة، وعِشقهم للسُلطة ظلّ يدفعهم للتحالُف مع كُل الكيانات في وقتٍ واحِد، وأيّنما كانت السُلطة كانوا.
في العام 1976 دخلت المُعارضة السودانية (المُرتزقة) العاصِمة، للاطاحة بحُكم النميري، ولكنها فشلت في مُهمتها، وعادت أدراجها تجُر أذيال الخيبة بالرغم من الدعم الكبير الذي وفّره لها القذافي، وقد كانت المجموعة وقتها بزعامة الصادق المهدي وابن عمه مُبارك الفاضِل (حزب الأمة)، والحزب الاتحادي بزعامة الشريف حسين الهندي، بالإضافة للأخوان المُسلمين بقيادة التُرابي، فلم يمضي عام واحد من طردِ هذه المجموعة، حتى جاءت الأخبار تُحدِّث عن مُصالحةٍ تمت من وراءِ رفاق النضال بين حزب الأمة وجعفر النميري في بورتسودان.
هكذا ظلّ الحزب في حالة من التأرجُح، الذي استمر حتى لحظة ميلاد الثورة التي أقصت نظام البشير إذ لم يجد الثوار من حزب الأمة شيئاً غير السُخرية، ولم يُشاركوا فيها (فعلياً) إلّا بعد أن لاحت بشائر النصر، واقتربت الثورة من الوصول إلى هدفها الرئيس في تمليك السُلطة للشعب، وقبل أن يفيق الشعب من نشوةِ النجاح، ظهر الحزب كقائد للصفوف، واحتل موقعه في أعلى قائمة قوى الحُرية والتغيير، وتقدمت صفوفِ تجمُع المهنيين، واشتركت مع نشطاء اللايفات، مع تصريحات قادته بأنّهم سيتفرّغوا لاعداد قواعدهم وتهيئتها للانتخابات، ولن يُشارِكوا في العمل التنفيذي، ووجدناهم أول من طالبوا بالمُشاركة وتولوا فيها أهم الوزارات، بل وارتفعت سقوفاتهم من بعد إلى حدِ طالبوا فيه بتسليمهم كامِل السُلطة باعتبار أنّ الحزب هو صاحب السُلطة الشرعي قبل أن تنزعها منهم الإنقاذ، ألم نقُل لكُم بأنّ عدم الثبات على المواقف والمُراوغة هي سمات مُلازمة لهذا الحزب.
ملأت مريم المنصورة الدُنيا بالضجيج عندما انقلب البُرهان على الحكومة التي أجلستها في مقعدِ وزارة الخارجية (الكبير جداً)، وظلّت موجودة في أي منبر قد يُتيح لها فُرصة للظهور للتنديد بالانقلاب، وزادت حدة تصريحاتها الرافضة لاتفاق حمدوك بعد المفاوضات التي قادها رئيس حزبها اللواء بُرمة ناصِر، إلى درجة انتظر فيها الناس ازالة اللواء بُرمة من كشوفات الحزب قبل أن تكتمِل مراسيم توقيع اتفاق البرهان وحمدوك، ولم يفعلوا ما توقعه الناس، والأخبار وردتنا الآن مدعومة بصور لوفد حزب الأمة مع حمدوك في مقر إقامته تتوسطها المنصورة وكبار قادة حزبها للبحث عن مخرج للأزمة، أو بمعنى أصح عن مدخل للمُشاركة.