نقلت الأخبار أن وفداً من المجلس السيادي سيزور سجن أم درمان، وأتمنى أن يكون بصحبتهم عدد من الصحفيين والمهتمين بحقوق الإنسان للتغطية الإعلامية وليشهدوا على حال السجن، إذ لا بد لأحوال السجون والمساجين أن تكون مكشوفة للجميع فالأمر ليس سراً، والمساجين هم مواطنون يجب أن يتمتعوا بكافة حقوقهم مهما كانت جرائمهم.
قبل زيارة وفد المجلس السيادي لسجن أم درمان وجب علينا أن ننبههم أن حال السجن الجيد الذي سيرونه اليوم هو ليس الحقيقة، فإدارة السجن استعدت لهذه الزيارة تماماً وحاولت جاهدة أن لا تترك ثغرة، ولكن بعد الزيارة ستعود الأمور إلى حالها وسيستمر الإهمال الذي يؤدي أحياناً إلى الموت.
قبل أيام توفى شاب ثلاثيني منتظر أصيب بفشل كلوي داخل السجن وقد كان في الجزء المسمى كولومبيا وهو رديء جداً، وبعد أن ساءت حالته تم تحويله إلى الجزء الذي ينتظر فيه أصحاب قضايا الشيكات، الشاب عانى من إهمال مرير نتيجة انعدام الرعاية الصحية والغذائية، لدرجة إنه لم يعد يقوى على الوقوف، حاول زملاؤه في السجن رعايته ووفروا له كرسياً، ولكن مهما فعلوا لن يتمكنوا من رعاية مريض فشل كلوى فالأمر في المنازل ليس سهلاً.
هذا الشاب حين يذهب للغسيل يتم ترحيله بدفار المحاكم مع أصحاب القضايا ويعود معهم، واليوم الذي مات فيه كان عائداً من جلسة غسيل لتوه وأظنه مات نتيجة مضاعفات المرض والتعب من ركوب الدفار وهو صعب حتى على الأصحاء، بعض المساجين أصيبوا بحالة خوف وقلق من مواجهة هذا المصير خاصة وأن الشاب المتوفي جاء سليماً وحدث له ما حدث.
عموماً هذه القصة مجرد مثال لإحدى المآسي، وداخلها تفاصيل مأسوية كثيرة، ويمكن لوفد المجلس التأكد منها، ولكن ليس من إدارة السجن وإنما من زملاء الشاب المتوفي وبعيداً عن الإدارة لأن المساجين لن يعترفوا أمامهم فهذا يكلفهم ثمناً غالياً بعد ذهاب الوفد.
الأمر المهم نطلب من وفد المجلس السيادي الزائر، أن لا يستمع لمدير السجن وضباطه وحدهم عن مشاكل السجن، إذ لا بد من الذهاب إلى الأقسام والالتقاء بالنزلاء مباشرة وملاحظة عدد النزلاء والعنابر والمساحة الخارجية والحمامات القليلة مقارنة بالعدد الكبير، رؤية المساجين من قرب والتدقيق في وجوههم فكثير منهم آثار المرض واضحة على عيونهم وأجسادهم.
كذلك نرجو التحقق من شكوى نزلاء سجن أم درمان المستمرة من قسوة معاملة العاملين في السجن، وحقيقة هو أمر مثير للقلق ﻷنه يعكس غياب الضمير والإنسانية لدى العاملين بالسجون قبل أن يعكس سوء منظومة العدالة.
هذا بلاغ للسادة في المجلس السيادي بشأن سجن أم درمان وهو مثال لكل السجون، وعليه نطالب باحترام إنسانية النزلاء وكرامتهم والإسراع بمراجعة أوضاعهم، وتوفير الأكل الجيد وتحسين بيئة السجن وتوفير الرعاية الصحية لمن يعانون من الأمراض المزمنة، وتوفير اسعاف وسيارات خاصة لنقل المرضى إلى المستشفيات وطاقم تمريض، والإسراع في إتمام محاكمة المنتظرين، إذ إنه من الظلم أن ينتظروا شهوراً طويلة لإتمام محاكمتهم.
نرجو أن يضع المجلس السيادي حلاً متكاملاً لمشكلة السجون، وهي ليست، صعبة فالأمر كله يرتكز على حسن الإدارة، وأعتقد أن إدارة السجون تحتاج لكفاءات بمواصفات خاصة ليتغير الواقع المأساوي الراهن.