مناظير
زهير السراج
بركاتك يا (البدوي) !
* بعد إقالته بعدة أيام، نشر وزير المالية السابق الدكتور (إبراهيم البدوي) بيانا تحدث فيه عن مؤامرة إقالته التي جرى التخطيط لها وراء الكواليس، وشرح بإسهاب برنامجه الاقتصادي الذى لو سُمح له بتطبيقه لأدى لاستقرار الاقتصاد السوداني وإيقاف التدهور في سعر صرف الجنيه ومكافحة التضخم وتخفيف اعباء المعيشة عن المواطنين في غضون ستة أشهر الى سنة، وذلك بالعمل على إسقاط الديون عن السودان بالاستفادة من برنامج إعفاء الدول الأكثر فقرا من الدين الخارجي (الهيبيك)، وتوحيد سعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات والاستعاضة عنه بالدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة وزيادة الرواتب … إلخ، ولكن وقف حائلا دون ذلك تعارض الرؤى وتداخل التخصصات مع رئيس الوزراء ومستشاريه الاقتصاديين، وبدلا من مساعدته على تنفيذ البرنامج تم الاستغناء عن خدماته بغرض توظيف أحد مساعديه بدلا عنه!
* بدون الدخول في تفاصيل ومصطلحات اقتصادية تستعصى على الفهم، فإن بيان وزير المالية السابق مجرد احلام وامنيات لن تتحقق، استغل فيه عدم معرفة الكثيرين بالمسائل الاقتصادية وطفق يرسم عالما خياليا عن السودان لا يوجد حتى في مخيلته هو نفسه!
* تحدث عن اعفاء السودان من الديون عبر الانضمام لبرنامج الهيبيك (اعفاء ديون الدول الاكثر فقرا)، وهو مشوار طويل جدا في الظروف العادية دعك من ضرورة حدوث شرطين بالنسبة للحالة السودانية لن يتحقق من دونهما، الاول، قيام السودان بتسديد متأخرات فوائد الديون التي تبلغ حوالى 15 مليار دولار، منها 3 مليار لصندوق النقد والباقي لدول ومؤسسات مالية، فمن اين للسودان بهذا المبلغ الضخم؟!
* الثاني، رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو رهين بشروط صعبة مثل تحقيق العدالة لضحايا جرائم دارفور ومذبحة فض الاعتصام ومحاكمة مرتكبيها، والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وتحقيق السلام الذى لا يزال يراوح محطة المحاصصات مع مَن لا شأن لهم بالسلام!
* تحدث البيان عن رفع الدعم عن المحروقات والاستعاضة عنه بزيادة المرتبات وبرنامج دعم الاسر الفقيرة لمواجهة التضخم، ولقد شهد الجميع الاثر السلبى الضخم لرفع المرتبات بدون خطة او برنامج واضح ما ادى لارتفاع نسبة التضخم الى اكثر من 136 % والارتفاع الفاحش في الاسعار، كما ان برنامج دعم الاسر الفقيرة يحتاج الى ما لا يقل عن ملياري دولار سنويا كان من المؤمل ان تتوفر من برنامج الشراكة وهو ما لم يحدث، فضلا عن ان الدعم الاسرى لن يتجاوز 500 ج شهريا، وبالتالي فان الحديث عن زيادة المرتبات وبرنامج دعم الاسرة الفقيرة لمكافحة التضخم ما هو الا ضرب من الخيال والاوهام!
* أما تحقيق الاستقرار في سعر الصرف للجنيه، فإنه يحتاج على الاقل الى حوالى 6 مليار دولار حسب أكثر التقارير الاقتصادية تفاؤلا (تقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية) .. فمن اين للسودان بهذا المبلغ الخرافي تحت ظل الظروف الحالية، وكيف تتحقق الجنة الموعودة التي وعدنا بها (البدوي) في غضون ستة أشهر الى عام، إلا إذا كان لديه مصباح علاء الدين يمسح عليه، فيخرج له المارد قائلا (شبيك لبيك)، فيأمره سيدنا (البدوي) بتجهيز مبلغ ستة مليار دولار لإنقاذ الجنيه!
* لقد كان امام وزير المالية الكثير من الفرص قبل وقت طويل جدا لتحقيق بعض التقدم في عملية رفع الدعم عن المحروقات بالتدريج بدءا بالبنزين الذى لا تستفيد منه الا قلة، وظللنا نحثه على ذلك، ولكنه ظل مترددا وخائفا من ذلك لأسباب سياسية صرفة، وجاء الان ليتحدث عن رفع الدعم عن كامل المحروقات وكأن الاسباب السياسية قد زالت. والاسوأ من ذلك انه ارتكب جريرة رفع المرتبات باللجوء الى طباعة العملة بدون غطاء، أو اتخاذ اجراءات تحد من التضخم وارتفاع الاسعار، فحدث التضخم بشكل مبالغ فيه مما يجعل رفع الدعم الان بمثابة انتحار سياسي!
* لو كان وزير المالية واثقا من السودان الجميل الذى رسمه في برنامجه الخيالي، الذى حالت دون تحقيقه المؤامرات والاعتراضات .. لكان من المفترض من منطلق وطني واحترامه لمنصبه، ان يقدم استقالة علنية مسببة يرفق معها ما كتبه في البيان حتى يجد الاحترام من كل الناس، ولكنه فضل الاحتفاظ بالوظيفة على حساب المبادئ، وعندما اُقيل خرج على الناس حاملا سيف العشر يحارب به طواحين الهواء متقمصا دور البطل المظلوم!
* ليس هذا دفاعا عن حمدوك أو قدحا في البدوي، وإنما لتصحيح معلومات غير صحيحة جاءت في بيانه!
الجريدة