صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بالوثائق نكشف اخطر ملفات الفساد في القروض الاجنبية داخل السودان .. كيف وأين تضيع أموال الشعب السوداني؟

130

أخطر ملفَّات الفساد في القروض الأجنبية
الخرطوم: ضفاف محمود ــ سعدية صدِّيق
قرض يبدأ بـ”60″ مليون؛ ليقفز إلى “1.6” مليار يورو. تبدأ “التيار” ــ اليوم ــ نشر تحقيقات استقصائية، تكشف أخطر ملفات الفساد في العهد البائد، تتعلَّق بالقروض الأجنبية، التي تحصَّلت عليها المؤسسات الحكومية، وتحوَّلت إلى مصلحة أفراد متنفِّذين، بينما يتحمَّل الشعب السوداني عبء سداد هذه القروض.
وتشير الوثائق ــ تُنشر بالداخل ــ لحصول البنك الزراعي، على قرضٍ قيمته “60” مليون يورو، من بنك “PTA” الإفريقي، ولكن شركة “أوفرسيز” الخاصة التي يُديرها أيمن المأمون، طلبت فتح اعتماد للتحويل من القرض لصالح شركة أخرى خاصة، مسجَّلة في بريطانيا، بينما تمَّت تعلية الأسعار في فواتير الاستيراد بفارق كبير ــ حوالي 40% ــ زيادة عن التكلفة الحقيقية. وقد فشلت الحكومة السودانية في سداد 1.6 مليار يورو هي القيمة الاجمالية للقروض من هذا البنك فقط. وتطال قائمة الاتهام؛ أسماء رجال أعمال معروفين في المجتمع الاقتصادي السوداني. وتواصل “التيار” نشر حلقات التحقيق الاستقصائي تِباعاً.

اللعبة الذكية!!
• من يتلاعب بأموال الشعب السوداني؟
• تمويل يبدأ بـ(60) مليون يورو، ليرتفع إلى (1.6) مليار يورو

حالة الفقر التي يكابدها الشعب السوداني هي جريمة بفعل فاعل ظلت ترتكب نهاراً جهاراً في حقه.. جريمة لا تحتاج إلى بطل لاكتشافها لأن من يرتكبونها أمنوا المحاسبة والعقاب فهم لا يبذلون جهداً لتغطية آثارها.. وفي هذا التحقيق الاستقصائي نكشف لكم نموذجاً ولا أفسد، يعرض بالأشعة المقطعية كيف وأين تضيع أموال الشعب السوداني؟
الحلقة الأولى
تحقيق : ضفاف محمود – سعدية صديق

الحرمان العالمي!
أوقفت الغالبية العظمى من المؤسسات المالية والبنوك العالمية تعاملها مع السودان تماماً، وما عاد ممكناً إكمال عمليات التمويل والاستيراد والتصدير إلا عبر أطراف أخرى ترفع تكلفة التمويل بصورة باهظة.. لكن فجأة وجد السودان بنكاً واحداً يقبل التعامل معه، ويمنح التمويل بضمان من بنك السودان. إنه بنك (التجارة التفضيلية) الذي كان يعرف اختصاراً بـ(PTA) ومقره الرئيس في العاصمة الكينية نيروبي.
أول الفساد قطرة!


كانت البداية في يوم 11 يوليو 2012، الأستاذ صلاح حسن نائب مدير البنك الزراعي سافر إلى العاصمة الكينية نيروبي، حيث مقر رئاسة بنك التجارة التفضيلية الأفريقي المشهور اختصار بـ(PTA) للحصول على خط تمويل لمدخلات زراعية.
وافق البنك على تمويل قدره (60) مليون يورو، ولكن لابد من دفع الرسوم المطلوبة قبل بدء إجراءات تنفيذ التمويل. والرسوم مقسمة إلى جزأين، الأول (600) ألف يورو هي رسوم خط التمويل، والثاني (300) ألف يورو رسوم اعتماد، ليكون إجمالي الرسمين (900) ألف يورو.
بكل نشاط وهمة ودون أي تأخير سدد البنك الزراعي رسوم التمويل في اليوم التالي مباشرة، (900) ألف يورو من حر مال الشعب السوداني، وبعث البنك برسالة في يوم13 يوليو، يؤكد استلامه للرسوم كاملة. وأوضح البنك في رسالته أن التمويل مخصص لاستيراد أسمدة زراعية عن طريق شركة “الثورة الخضراء” المملوكة بنسبة 100% للبنك الزراعي، لتوزيعها على القطاع الزراعي بالسودان.

في اليوم التالي مباشرة 14 يوليو 2012– وأرجو ملاحظة هذه السرعة المدهشة في الإجراءات – كتب البنك الزراعي مخاطباً وزارة المالية مخطراً وكيل الوزارة بالحصول على التمويل وطالباً موافقته.
كان كل شيء يمضي سريعاً كالبرق، وحتى هنا تظل الريبة بعيدة عن تسلسل الإجراء. ولكن بعد ثلاثة أيام فقط، وفجأة ودون سابق إنذار بدء سيناريو آخر في منتهى الغرابة.. سيناريو يكشف الطريقة التي يدار بها المال العام وكأنه ملك خاص.
في جنح الظلام، ومن رحم الغيب أطلت شركة اسمها (بدر أوفرسيز للحلول المتكاملة) وطلبت تحويل خط التمويل لصالح شركة “In Trade Company” ومقرها في بريطانيا لتتولى توريد الأسمدة..
لاحظ جيداً، بل حدق معي وتمعن في خطاب شركة “بدر أوفرسيز للحلول المتكاملة” المرفق مع هذا التحقيق مجرد ورقة A4 عادية بلا ترويسة ولا عنوان ولا أرقام اتصال، وكأنها شركة معلقة في الهواء الطلق.. وهي شركة خاصة يديرها السيد (أيمن المأمون).. شركة خاصة تتحكم في تمويل حكومي دفعت رسومه الحكومة ممثلة في البنك الزراعي، فتطفر الأسئلة الملحاحة، كيف علمت هذه الشركة الخاصة بوجود هذا القرض الحكومي؟ وكيف تطلب الشركة الخاصة تحويل التمويل إلى شركة خاصة أخرى خارج البلاد يملكها رجل أعمال سوداني معروف؟ الأمر يكشف بصورة واضحة كيف يدار المال العام في السودان!.


(عاجل جداً)!!
أحيل الطلب الذي تقدمت به الشركة الخاصة “بدر أوفرسيز” إلى إدارة شركة “الثورة الخضراء “وهي الشركة الحكومية التي تتبع للبنك الزراعي وصاحبة التمويل من بنك التجارة التفضيلية PTA.
لكن الأمر ليس كأي إجراء حكومي عادي، بل بنفس العجلة التي سرت من لحظة طلب التمويل من البنك ثم دفع الرسوم وإكمال الإجراءات في سرعة قياسية مدهشة.
نائب مدير البنك الزراعي الأستاذ صلاح حسن، علق كتابة في أعلى الخطاب الذي تقدمت به الشركة الخاصة “بدر أوفرسيز” (للإجراء العاجل).. وكيف لا يكون عاجلاً!! ليس في الأمر عجب.
تصوروا تمويلاً من بنك أجنبي لصالح حكومة السودان، ممثلة في البنك الزراعي، وبضمان بنك السودان المركزي.. ثم دفعت الحكومة رسوم التمويل قرابة المليون يورو.. ثم في النهاية يذهب التمويل إلى جيوب الشطار..!!
الحلقة المثيرة!!
ثم تبدأ الحلقة الأكثر إثارة في المسلسل المكسيكي، شركة (In Trade) التي فُتح لصالحها الاعتماد؛ تحرز الهدف الذهبي.. فترسل فاتورتها العجيبة.. سعر الطن للأسمدة (513) يورو، أي أعلى من السعر الحقيقي بـ(113) يورو تقريباً. فسعر الطن للسماد من نفس النوعية (400) يورو، وذلك حسب فواتير حصلنا عليها من شركات سودانية استوردت نفس السماد في نفس التاريخ.


كانت تفاصيل الفواتير كالتالي:
الشحنة الأولى:
21،850 طناً بسعر 512.98 يورو للطن بتاريخ 9 نوفمبر 2012،
الشحنة الثانية:
19،493 طناً بسعر 512.98 يورو للطن في يوم 3 ديسمبر 2012.
إجمالي الفاتورتين 41,343 طناً بتكلفة إجمالي 21،208،132 يورو
وبكل وضوح ( وعينك ياتاجر) الفرق الناتج من تعلية الفاتورتين يعادل (4،670،932) يورو..
لعبة سهلة وبسيطة لم تكلف سوى ورقة A4 بلا ترويسة حققت قرابة الخمسة ملايين يورو!!!
أعرفتم أين تذهب أموال الشعب السوداني؟
من يدفع ثمن تعلية الفواتير؟ طبعاً الإجابة سهلة، يدفعها المزارع السوداني المسكين الذي عليه أن يشتري هذا السماد من البنك الزراعي ليدفع مرتين، مرة قيمة التعلية في الفواتير، وأخرى الأرباح المحمولة على ظهر هذه الفواتير..
هل أسرد عليكم كيف سارت الأمور بعد هذا التمويل مع البنك الممول PTA، في فترة قصيرة تصاعدت ديون البنك على الحكومة السودانية لتقفز فوق الـ(1.6) مليار يورو.. هي ديون يحملها كل مواطن سوداني فوق ظهره لصالح الجيوب التي ذهبت إليها أموال الشعب السوداني..
هذه عينة بسيطة تكشف مسارات الأموال التي يحصل عليها السودان من الخارج ثم تذهب في جيوب (الشطار) الذين يبنون مجدهم وإمبراطورياتهم المالية على ذمة فقر شعبنا السوداني.
ويتواصل مسلسل الفساد..!!

التيار

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد