صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بالدبارة والبصارة لا الرجالة

16

بشفافية – حيدر المكاشفي

بالدبارة والبصارة لا الرجالة

بدا لي ولا أظنني الا محقا ان حمم التراشق اللفظي التي مازالت مشتعلة بين بعض العسكريين وتحديدا البرهان وحميدتي والمدنيين وخصوصا ودالفكي وخالد عمر، تعود في اصلها الى خصيصة سودانية تستبطن مفهوما معيبا ل(الرجالة)، الأمر الذي دعاني للتأمل في مفهوم (الرجالة) عندنا كسودانيين، بكل ما لهذا المفهوم من انعكاسات وتأثيرات على حياتنا العامة وشؤوننا العامة والخاصة، وتحضرني في هذا الخصوص حين اشتد أوار العداء بين حركات الكفاح المسلح والحكومة البائدة، ان أحد نافذي النظام بعد أن كال هجوما مقذعا لهذه الحركات، ختمه بالقول أن الحوار مع الحركات يعد عدم رجالة، كما أذكر هنا حادثة وقعت أيضا خلال العهد البائد، تعكس تماما مفهوم الرجالة الذي قر وتوطن في عقول الغالبية الغالبة من الرجال السودانيين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية ومستوياتهم التعليمية، بل وعند الكثير من النساء كذلك، والحكاية تقص عن ذلك السوداني الذي استل سكينه من ذراعه وطعن بها نفسه تعبيرا عن احتجاجه القوي على قرار أوكامبو الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية، بحق الرئيس المخلوع، وقد كان ذلك في إحدى مناطق دارفور عندما كان المخلوع يخاطب حشدا هناك، الأمر الذي اضطر بعض كبار مرافقي المخلوع من النافذين لترك الاحتفال والانشغال بإصابة هذا الرجل ومحاولة إسعافه بأعجل ما تيسر ونقله جوا إلى الخرطوم لإجراء عملية عاجلة له على يد كبار الاختصاصيين..

وعلى ذلك يمكنكم قياس الكثير جدا من التصرفات و(الهوشات) و(الهوجات) التي نسميها رجالة ونفاخر بها ونباهي، رغم أننا أول من يتضرر منها ويدفع ثمنها غاليا، وهذا والله نوع من الرجالة ينافس حماقة أبو الدقيق البلاد في غنى عنه، وإنما حاجة البلاد تظل ملحة لأساليب الدبارة والبصارة والفطانة والكياسة وليس الى هذا النوع من الرجالة التي تجلب عليه المزيد من الأزمات والمشكلات، فالرجولة كل الرجولة في قبول الآخر ومحاورة الأغيار ومفاوضة الأعداء وإحقاق الحق ورفع الظلم وإقرار العدالة ولو على نفسك، أما رجالة (كجة العين وطالعني الخلاء) والحماقة وركوب الراس فلن تفيد بشئ فما أضاع البلد شيئا مثلها، وقد ظللنا ندفع ثمن هذه الرجالة منذ استلام النظام المباد السلطة بـ(الرجالة) عبر الانقلاب إياه، وظللنا عبر حقبته الظلامية الاستبدادية الفاسدة الممتدة لنحو ثلاثين عاما حسوما، نسمع من أقوال الرجالة المرتجلة أطنان طنانة منها، ولكن للأسف لم تفدنا هذه الرجالة المدعاة والمفترى عليها بل العكس، فقد جلبت علينا الكثير من المصائب والمحن، وتلك كانت المحصلة المؤسفة للرجالة في عهدهم المشؤوم، فما حاجتنا والحال هذا برجالة أخرى، ويا جماعة الخير لو أنكم استذكرتم حديث (كل ميسر لما خلق له) ولزمتم، لفتح لكم ولوقيتم أنفسكم من الوقوع في الزلل، ولأفدتم بعلمكم فيما يخصكم ويليكم الذي تعرفونه وتجيدونه، فالدول لا تدار بما تخوضون فيه اليوم..

الجريدة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد