بائعة تسالي تتحدث ثلاث لغات، وبائعة طواقي تقرأ لديستوفسكي
تعددت أسماء مهنة الصحافة لعظمتها، فكثرة الأسماء تدل على عظمة المسمى كما يقولون، فمن بين الأسماء التي تطلق على الصحافة (العين الثالثة) و (الحاسة السادسة) و(عين العقل) و (العين الداخلية)، وهي العين غير المرئية التأملية التي توفر إدراكا يتجاوز الرؤية العادية، بما يمكن الفرد من اختياراته في الحياة، وتساعده في إيجاد الحلول لمشكلاتها..وبهذه العين الداخلية والحاسة السادسة الصحفية التقطت الصحافية صاحبة الخبطات هيام تاج السر بائعة التسالي والفول والترمس التي تجيد التحدث بثلات لغات، فالى جانب العربية تجيد الفرنسية والانجليزية، كان ذلك كما روت هيام حين صعدت هذه البائعة الى داخل البص الذي كان يحمل بعثة وزارة الشباب والرياضة في طريق عودتها من القضارف الى الخرطوم، وعند صعودها البص تقول هيام لفتت انتباه الجميع واستحوذت على اهتمامهم ببسمتها الساحرة وحضورها الطاغي الذي ميزها عن كل البائعات والبائعين الذين صعدوا للبص لتسويق منتجاتهم المحلية، وعندما اكتشفت هيام ان بائعة التسالي هذه تتحدث الانجليزية والفرنسية باجادة وفقا لشهادة الزميل الصحفي ناصر بابكر الذي يجيد اللغتين، أجرت معها حوارا قصيرا نشرته بموقع مدنية نيوز، وملخص الحوار ان البائعة اسمها فريدة آدم محمد وهي خريجة جامعة النيلين عام 2018 ونالت فيها البكالريوس فى اللغة الفرنسية كما نالت دبلوما فى الانجليزية، وبعد التخرج عملت معلمة لعام واحد، وعندما لم تلب الوظيفة احتياجاتها المادية وانسد الطريق أمامها في الحصول على وظيفة أفضل، انخرطت بلا تردد في العمل كبائعة متجولة منذ العام 2020م..كانت تلك باختصار حكاية بائعة التسالي التي تتحدث ثلاث لغات.. أما حكاية بائعة الطواقي التي تقرأ لديستوفسكي الروائي والكاتب والقاص والصحفي والفيلسوف الروسي الشهير فقد حدثت معي شخصيا، كان ذلك قبل عدة أعوام بالسوق العربي الذي تنتشر في برنداته بائعات الطواقي، فحين وقفت أمام سيدة ثلاثينية العمر ممن يبعن الطواقي وجدتها تقرأ في كتاب، فوضعته داخل القفة الممتلئة بالطواقي لتبايعني، ولكن اهتمامي انصرف الى الكتاب أكثر من الطاقية فطلبت منها ان تريني اياه، كنت أظنه من الكتب الرخيصة ثمنا ومضمونا، غير أنني صعقت حين وجدته من الروايات المترجمة لديستوفسكي، وعلمت منها انها شغوفة بمطالعة الأعمال الثقافية والأدبية ولكبار الكتاب العالميين..
الشاهد في مثال بائعة التسالي وبائعة الطواقي، ان هناك عددا مقدرا من النساء اضطررن لممارسة أعمال مضنية وشاقة لأسباب شتى، واستطعن بمثابرتهن وتضحياتهن وصبرهن على هذا العمل المرهق الذي قال فيه شاعر الشعب الراحل محجوب شريف (كفتيرا تفك الحيرا يا بت أحسن من غيرا..ولذلك انت هنالك في ركن السوق الشعبي..بت امك ما بتكوسي دروب الشك والذلة.. مرات الكسرة تعوسي ما بسمع حسك إلا النجمة وديك الحلة..وعجينك في البستلة في ليل الصاج الداكن ترميهو قميرا قميرا.. الخ)، استطعن عبر هذا الكفاح اليومي وعبورهن بجلد لليالي الأسى وتراجيديا الأحزان ومر الذكريات ومرارة الفقر، أن يقدمن للمجتمع من صناعة ملاح الشرموط وعواسة الكسرة وبيع الشاي، شبابا وشابات رجالا ونساء صالحين وناجحين ونابهين، فالتحية والتقدير لكل الماجدات المكافحات من نساء بلادي..