صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

انفصال الشرق .. النار مستصغر الشرر

11

(وزير واحد معقول ما نلقي ).. بهذه الكلمات المستنكرة هتف احد المواطنين في الموكب الذي تم تسييره في مدينة كسلا الخميس الماضي، وذات الحديث جرى على ألسنة الذين خرجوا في موكب منتصف الاسبوع ببورتسودان، فالقاسم المشترك بين الموكبين المطالبة بانصاف الشرق الذي يعتقد جزء مقدر من اهله انه ظل يتعرض للظلم منذ الاستقلال، وفي الوقت الذي لوح فيه البعض بكرت الانفصال فإن آخرين يلفتون الى ان ازالة التهميش من شأنه ان يسهم في تراجع الاصوات التي تطالب بذات المصير الذي تعرض له الجنوب في عام 2011م، ويعتقدون انها لا تعبر عن اشواق اهل الشرق الذين تهفو قلوبهم ناحية وطن موحد تسود فيه العدالة بين كل اقاليمه.
وظل مواطنو الشرق يجأرون بمر الشكوى من التهميش الذي يؤكدون على انه يتبدى جلياً في امساك ثالوث (الفقر، الجهل، والمرض) بتلابيبهم الذي يحيط بهم احاطة السوار بالمعصم، والاقليم الذي يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين نسمة لا تعوزه الامكانات التي يجزم اهله انها مثل ظل شجرة الدليب تذهب ايراداتها بعيداً عنهم، ويستدلون بعائدات منجم ارياب للذهب التي تقدر بملايين الدولارات، ولكن لا تجني منها ولاية البحر الاحمر سوى جنيهات معدودة تبدو اقرب الى ذرء الرماد في العيون حتى لا ترى الاموال المقدرة التي يستفيد منها المركز، بالاضافة الى موارد هيئة الموانئ البحرية التي تبلغ في العام اربعة ترليونات جنيه، عطفاً على ما تجود به ارض القضارف من محاصيل نقدية تدر على الخزانة العامة اموالاً مقدرة من العملات الاجنبية. وعلى نطاق واسع بالشرق فإن المواطنين على قناعة تامة بأن الاقليم يمتلك مقومات اقتصادية تؤهله لأن يكون احد اكثر اقاليم البلاد ثراءً، وابرزها بطبيعة الحال الارض الخصبة بمشروعي القاش وطوكر التي احتل المسكيت 90% منها ولم تعد صالحة للزراعة، علاوة على وجود كميات كبيرة من المعادن والثروة السمكية بالبحر الاحمر والمشروعات الزراعية بالقضارف، ويؤكدون على ان هذه الموارد لم تجد الاهتمام من المركز.
ويرجع كثيرون دعوات المطالبة بحق تقرير المصير التي ارتفعت اصواتها في الفترة الاخيرة الى تهميش الشرق تنموياً، بالاضافة الى تجاوزه في الجهاز التنفيذي لحكومة عبد الله حمدوك التي مازالت تخلو من ممثل لشرق السودان.
ويشير القيادي بكيان قوى الهامش، طه محمد موسى، الى ان الشرق ظل يتعرض للتهميش منذ الاستقلال، وانهم كانوا يتوقعون بعد ثورة ديسمبر ان يتغير هذا الواقع حسبما نصت الوثيقة الدستورية على أن تذهب 70% من السلطة الى الهامش، ويقول طه لـ (الإنتباهة) ان هذا الامر لم يحدث بذهاب المناصب الى ولايات محددة وتم تجاوز الشرق رغم ما يمثله من اهمية واستراتيجية، لافتاً الى ان ارتفاع الاصوات المطالبة بكونفدرالية حقيقية او تقرير مصير الاقليم امر طبيعي، لجهة ان الشرق لم ينل حظه كاملاً من التنمية ومازال يفتقد الى ابسط المقومات، ويعتقد ان حكومة المركز مطالبة بانصاف الاقليم وتجاوز سياسات الماضي التي كانت ترتكز على ان تكون السلطة في يد جهات محددة، فيما تتعرض اقاليم السودان الاخرى للتهميش والظلم.
وبالمقابل يوجد من يؤكد ان الدعوة لحق تقرير المصير تبدو غير منطقية، لجهة ان معظم اقاليم السودان ظلت طوال الفترة الماضية تتعرض لتهميش متعمد من المركز، معتبرين ان الشرق ركن اصيل في السودان ولا يمكن ان يأتي يوم وينفصل منه، غير ان اصحاب هذا الرأي يعتقدون في اهمية انصاف الاقليم لتفويت الفرصة امام جهات خارجية تسعى لتنفيذ اجندة معروفة تهدف الى فصل الشرق من السودان، مشددين على ان حكومة الفترة الانتقالية لم تنصف الشرق، وهنا يشير رئيس حزب التواصل عبد القادر سوميت في حديث لـ (الانتباهة) الى ان الغبن الذي يسيطر على قطاع واسع من المواطنين بالشرق لم يأتِ وليد فترة ما بعد الانقاذ ولكنه متجذر وعميق، معتبراً ان اجراء مقارنة بين الشرق وبعض الولايات يوضح البون الشاسع في الخدمات والتنمية، ويلفت الى ان الاحساس بالغبن موجود في كل هامش السودان والشرق جزء منه، معتبراً ان هذا الغبن اضعف الشعور بالانتماء الى الوطن، منوهاً بأن مناطق الهامش تمتلك موارد ضخمة ولكنها غارقة في الفقر وضعف الخدمات لعدم عدالة التنمية، ويرى سوميت ان المواطن حينما لا يجد مقومات الحياة الضرورية فإنه يستجيب لدعوات الانفصال وتقرير المصير.
غير أن رئيس حزب التواصل يشدد على ان الشرق هو السودان ولا يمكن ان يأتي يوم وينفصل لانه السبب الرئيس في توحيد السودان، بيد انه وفي ذات الوقت يؤكد على ان دعوات حق تقرير المصير موجوده ولا يمكن انكارها ويجب عدم التقليل من قيمتها، ويعتقد ان الاهتمام بها وبحث اسبابها والعمل على معالجتها من شأنه ان يقلل الاصوات الانفصالية التي أكد على انها لا تعبر عن حقيقة اشواق اهل الشرق، ولكن سوميت يحذر من دفعهم دفعاً الى هذا الاتجاه.
وحتى ان اعتقد البعض ان الاصوات التي تطالب بانفصال الشرق تمارس ابتزازاً سياسياً للحصول على مكاسب في السلطة، الا ان الحقيقة تؤكد ان هذا الاقليم لم يحصل على الحقوق التي كان يأمل فيها من أسهموا في اشعال شرارة الثورة ببورتسودان والقضارف من الجهاز التنفيذي ومجلس السيادة، ولأن دولاً كثيرة في المنطقة لديها اطماع في الشرق، فإن المركز مطالب بالانصات الى اهل هذا الاقليم الاكثر استراتيجية أمنياً واقتصادياً.

صحيفة الانتباهة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد