1
شهد حزب المؤتمر الوطني أوقاتاً كان فيها مفعماً بالحيوية، عرف تلك الحيوية والنشاط في أول عهد د.الترابي، وبعد المفاصلة عرف بعض الحيوية في عهد د.نافع، وعلى أواخر أيام بروف غندور، إلا أنه عاش وعانى في معظم الأوقات حياة مضطربة وتحول إلى حزب موبوء بالصراعات. أفضت تلك الصراعات إلى نتائج خطيرة، أولها أن الحزب أُصيب بالكساح، ثانيهما وكنتيجة لتلك الصراعات افتقد الحزب قاعدته الاجتماعية )الإسلاميين(. وثالثهما فقد الحزب ثقة المجتمع السياسي بكل أطيافه وأصبح لا أحد يثق بمواقفه ولا قراراته ولا بمواثيقه، أدى ذلك في نهاية الأمر أن يحظى بكراهية غير مسبوقة لا من أعدائه فحسب، بل حتى من قاعدته الاجتماعية!!.. رابع تلك النتائج التي حصدها الحزب إصابته بالخواء الثقافي والفكري والروحي. قعدت به تلك الأدواء عما كان يأمله ويتمناه د.الترابي، فتركه خلف ظهره ليؤسس حزباً جديداً )الشعبي(، ومضى في آخر أيامه يبشر الناس بـ)نظام خالف( وليس حزباً، وكأني به قنع من التجارب الحزبية والجبهوية التي طالما شاد مداميكها في الساحة السياسية السودانية، فذهب يشق دروباً ويرتاد آفاقاً أخرى ينشدها لاستقامة الحياة السودانية، ومن مثله في ارتياد الآفاق الجديدة؟
2
قبل أن أسترسل في كتابة هذا المقال أود أن أدون ملاحظة وهي أني في الحلقة السابقة حاولت أن أختصر كثيرا من الوقائع، باعتبار أن أغلب الذين يتابعون مجريات الأحداث في الساحة السياسية شهود أحياء على الحقبة التي أتحدث عنها، ولذا لم أكن أرى داعيا للتفصيل الملل، ولكني فوجئت بعد نشر الحلقة الأولى بهوجة عجيبة، بعضها منكر كلياً لما كتبنا وبعضهم اتهمني بأنني تجنيت على المؤتمر الوطني فاستغربت، إذ يعلم الجميع أنه ليس بيني وبين الوطني عداء، بل إن كثيرا من قادته وأعضائه في مصاف الأصدقاء، فالحديث عن عداء مجرد وهم، بدلاً من ترويج الاتهامات أرجو أن يكف الإخوة في المؤتمر الوطني على قراءة ومراجعة تجربة الحزب لعلهم يجدون عبرة تفيدهم إذا ما أقدموا على تجربة أخرى لتكون أكثر نضجا وتقدما، كما أتمنى ألا يهدرون وقتهم في الدفاع عن حزب سيغادر الحياة قريباً ولن يحزن عليه أحد من قاعدته ولا من أعدائه، سيحزن عليه فقط ثلة المنتفعين الذين وفدوا عليه آخر الليل، تسوقهم إليه المنافع لا المبادئ.
لكل ما ذكرت أعلاه أرجو أن تجدوا لي العذر لأني سأضطر إلى إيراد التفاصيل والشواهد حتى يكون الجميع على بينة مما سنتكب، قد تستغرق هذه الحلقات وقتاً فاحتملوني.. نواصل.