جدنا حاج مضوي تتنزل رحمة الله على قبره كان رجلا حكيماً, حلو المجلس يتوسل بالحكاوي لإيصال المعاني التي ينشدها. كنا نتحلق حوله ونتصيد مجالسته ونحن أطفالاً, حكى لنا ذات مرة أن رجلاً افتقد ابنته فسأل عنها في محيطه الضيق فلم يجدها فأخذ يصيح في الناس بأن من يجد ابنته أو يخبره بمكانها له بشارة كبيرة )جائزة(. وكان كلما اقترب المساء يرفع صوته ويرفع قيمة البشارة إلى أن جن الليل فسكت عن الصياح إذ لم يأته أي خبر عن ابنته، وفي صبيحة اليوم التالي جاءه أحدهم وهو يصطحب الابنة ويطالب بالبشارة فاستقبله الرجل ببرود قائلا له )مافيش بشارة فالبشارة خلاص وقتها انتهى(. استغربنا من موقف الرجل إذ كنا نظن أنه كلما طال زمن الغياب كلما زادت قيمة البشارة. وطلبنا من جدنا حاج مضوي أن يفسر لنا هذا الموقف الغريب، فضحك علينا قائلاً )لمن تكبروا بتعرفوا براكم ( وذهب وتركنا نتجادل في الأمر.
)2 (
فيما بعد فكينا اللغز فالرجل كان يخاف على ابنته من المبيت خارج البيت، فطالما إنها أمضت الليل خارج البيت فما كان يخشاه قد حصل ففي ذلك الزمان كان مجرد خروج البنت من البيت مشكلة ناهيك مبيتها فعندما يقال عنها )رقدت خلا ( أو )رقدت كتر( بضم الكاف فهذا منتهى الذم، وهناك مثل يقول )يهدوا فيها من الدواحة رقدت كتر )او( رقدت خلا( اي طالبوها بعدم الحوامة ولكنها أمعنت في العصيان وجاءتهم من الآخر فباتت خارج البيت, تذكرت هذه القصة وأنا اقرأ عن الخلاف بين أحزاب الحوار الوطني حول قانون الانتخابات فمن ضمن نقاط الخلاف عدد الأيام التي يجب اأن تستغرقها عمليات الاقتراع من تصويت وفرز أصوات فالوطني يرى أن تكون ثلاثة أيام بينما بقية الأحزاب ترى أن تكون يوماً واحداً فقط الوطني يبرر موقفه بأن اتساع البلاد وقلة الإمكانات تستلزم تطويل مدة الاقتراع حتى يشترك فيها أكبر عدد من المواطنين بينما بقية الأحزاب ترى أن صناديق الاقتراع إذا باتت فإن جماعة الوطني بما لهم من تحكم في آلية الانتخابات سوف يسطون عليها ليلاً ويقومون بتزويرها وعلى حسب قولهم إن الوطني له سوابق تثبت ذلك ذاكرين )الجخ والخج (
)3 (
أظنهم اتفقوا على يومين أي تبيت الصناديق ليلة واحدة في أماكن الاقتراع أي لا تحرك من مكانها تكون محروسة لا تغيب عن أعين وكلاء المرشحين لحظة واحدة بعبارة أخرى يمنع الاختلاء بها فالخوف كان من الخلوة الليلية. الذي حيرني وما يتحير إلا مغير الجرأة التي وأتت هؤلاء القوم وجعلتهم يناقشون قانون الانتخابات في مثل هذه الأيام الصعبة التي تعيشها البلاد فالأزمة الاقتصادية كتمت أنفاس البلاد والعباد حيث تلاقت صفوف الخبز مع صفوف الوقود والدولار يختلي وينفرد بجنيهنا المسكين فجعله لايصلح حتى للبشارة لن نقول لهم إنتو في شنو والناس في شنو ولن نقول لهم أخجلوا شوية لكن نطالبهم بأن يتفقهوا قليلا في السياسة ويختاروا الوقت المناسب للموضوع المعني . فمن المعني بالانتخابات ؟ أليس هو المواطن الذي يقف في صف الخبز ويبحث عن جنيهاته المسكينة التي وضعها في البنك ولا يجدها ؟ ياجماعة الخير قالوا )الزول بونسوا بغرضه( فخليكم معانا في سخانة الجيب هذه وبعد انقشاع الأزمة الاقتصادية هذه أن كان هناك ثمة انقشاع افتحوا الملفات الأخرى ولا إنتوا بس تهمكم السلطة ؟ وياخسارة ,,