مناظير
زهير السراج
الموافقة ام المواجهة ؟!
رغم اتساع الهوة بين الطرفين، إلا أن الفرصة لا تزال مواتية للاتفاق بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير. أمس حضر الوسيط الإثيوبى وهو يحمل مقترحا جديدا قديما لمجلس السيادة وهو( 7 + 7 + 1 ): سبعة أعضاء لكل طرف زائد الاتفاق بين الطرفين على شخصية قومية، على أن تكون الرئاسة دورية. تقريبا هو نفس المقترح الذى وافق عليه الطرفان من قبل (5 + 5 ) واتفقا على التوقيع عليه، ولكن وقعت جريمة فض الإعتصام التى حالت دون ذلك مما يوحى ان القصد منها كان قطع الطريق على الاتفاق، وهو ما حدث.
أصابع الإتهام أشارت الى (حميدتى + الفلول) اللذين كونا حلفا مشتركا لحماية بعضهما البعض، ولكنه حلف هش قابل للذوبان في اى وقت. الذوبان يمكن ان يحدث لو نجحت قوى الحرية والتغيير في ردم الهوة بينها وبين (حميدتى) وإزالة المخاوف التى تعتريه على وضعه ومصالحه، إذا انتقلت السلطة الى قوى الحرية والتغيير. أكثر ما يخيفه هو المجلس التشريعى الذى سيكون فيه لقوى الحرية والتغيير الغلبة (67 % ) حسب الإتفاق مع المجلس العسكرى. يخشى قائد قوات الدعم السريع ان يصدر المجلس التشريعى تشريعات تمس قواته التى يعتبرها ملكية خاصة له، مثل حلها أو إعادة هيكلتها بما يجرده من كل شئ، فهى رأس الرمح الذى يعتمد عليه في حماية سلطته ومصالحه الضخمة.
تستطيع قوى الحرية والتغيير ان تجلس مع (حميدتى) وتناقشه في كل شئ، وتصل معه الى اتفاق حول كل شئ، يزيل عنه الخوف الذى جعله يصبح حليفا لفلول النظام البائد رغم بغض الطرفين لبعضهما البعض. (حميدتى) يعرف ان الفلول خطر عليه لأنه شارك في إزاحتهم عن السلطة، وهم يعرفون أنه خطر عليهم لأن الدول التى تتحالف معه تصنفهم ارهابيين ولا ترغب في رؤيتهم يحكمون السودان ضمن معادلة يشارك فيها حليفهم الاول، وحتما ستنتهز الفرصة للقضاء عليهم في الوقت المناسب.
قوى الحرية والتغيير لا بد ان تحسن استغلال هذا الوضع المتناقض لصالحها وليس العكس. بدون (حميدتى) لا يساوى المجلس العسكرى شيئا لأسباب يعرفها الجميع تتعلق بتوازن القوى، ولن يكون هنالك اتفاق بينه وبين قوى الحرية والتغيير مهما تغيرت وتبدلت النسب. وبدون قوى الحرية والتغيير لن يتمكن المجلس العسكرى من (تمدين) السلطة بما يرضى الغالبية العظمى من الشعب ويحظى بقبول المجتمع الدولى. الاتحاد الافريقى والامم المتحدة والاتحاد الاوروبى ومعظم التجمعات الاقليمية والدولية منحت الوسيط الاثيوبى تأييدها المطلق لحل الأزمة السودانية وعقد اتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكرى.صحيح أن الجميع يتحدث عن نقل السلطة الى المدنيين بدون الاشارة الى جهة او تنظيم او تحالف معين، ولكنهم في حقيقة الأمر يقصدون قوى الحرية والتغيير صاحبة الشعبية الكبيرة في الشارع. كما أنهم يريدون أن يروا إستقرارا في السودان لن يتحقق بدون مشاركة قوى الحرية والتغيير في السلطة.
القوانين في امريكا واوروبا تمنع الاعتراف والتعاون مع الانظمة العسكرية. لكى تتمكن اوروبا وأمريكا من التعامل مع السودان لا يكفى ان يقوم المجلس العسكرى بتشكيل مجلس وزارء أو حكومة مدنية، ويزعم انه نقل السلطة الى المدنيين. لا بد من وجود سلطة مدنية حقيقية، وليس مجرد أكليشية. مشاركة قوى الحرية والتغيير سيعطى الشرعية المطلوبة للحكم في السودان، ويمنحه الاعتراف الاقليمى والدولى المطلوب ويجنبه المقاطعة والعقوبات.
بينما اجلس لكتابة هذا المقال (مساء أمس السبت) يكون الإجتماع بين قوى الحرية والتغيير والوسيط الاثيوبى قد بدأ لمناقشة المقترح الذى تقدم به لتكوين المجلس السيادى (7 + 7 + 1 ). معلوماتى تفيد بان كل كيانات قوى الحرية والتغيير قد وافقت سلفا عليه، بما في ذلك قوى الإجماع الوطنى التى كانت مصرة من قبل على أن تكون الأغلبية في المجلس للمدنيين، على أن تكون الرئاسة مدنية. الآن الجميع متفق على المقترح الاثيوبى الجديد. موافقة قوى الحرية والتغيير ستضع المجلس العسكرى أمام تحد صعب. لو رفض المقترح سيظهر امام الشعب والعالم بانه الطرف الذى يضع العوائق امام الإتفاق وانتقال السلطة الى المدنيين، ويسعى لفتح الباب مام كل السيناريوهات والمخاطر التى لا يريدها احد.
صحيح انه لو وافق، سيواجه تذمرا من التجمعات والتحالفات التى أسهم في خلقها بتسرعه وخوفه من فقدان مصالحه واوضاعه، ولكن من الممكن معالجة ذلك خاصة مع وجود طرح داخل بعض مكونات قوى الحرية والتغيير لتوسيع دائرة المشاركة، وعدم عزل من لم يفسدوا ولم يرتكبوا جرائم خلال العهد البائد ولم يشاركوا في تقويض الدستور في 30 يونيو 1989. المهم هو الخروج من الأزمة التى توشك ان تقود الى حدوث مواجهة شاملة بين الشعب والمجلس العسكرى. معظم أحياء ومدن السودان شهدت في اليومين الماضيين نشاطا جماهيريا يعيد الى الأذهان بدايات ثورة ديسمبر المجيدة، وكل شئ جايز مع الرفض الشعبى المطلق لإستمرار سيطرة المجلس العسكرى على السلطة، وتسلط (حميدتى) وقواته !!
في عالم السياسة لا يوجد شئ إسمه الفرصة الأخيرة، ولكن من الافضل استثمار الفرصة الجديدة التى اتاحها مقترح الوسيط الاثيوبى المسنود إقليميا ودوليا، والذى لا يمثل رئيسه أو دولته فقط، وإنما المجتمع الدولى ممثلا في الامم المتحدة والاتحادات القارية، والدول الكبرى ممثلة في امريكا واوروبا، والمجتمع الافريقى ممثلا في الاتحاد الافريقى ومعظم دول القارة الافريقية التى أعلنت عن تأييدها الواضح له.
الخيار الآن في يد المجلس العسكرى .. إما الموافقة او المواجهة، وعليه أن يعلم أن المواجهة لا تشمل الشعب السودانى فقط وإنما غالبية المجتمع الدولى، فأيهما يختار .. الموافقة أم المواجهة؟!