في الأنباء أن قوى الحرية والتغيير اختطَّت موثقاً لحماية الفترة الانتقالية والديمقراطية، يقضي بمناهضة الانقلابات وكافة أنواع الحكم الديكتاتوري والعسكري. وأحتوى الميثاق الذي تلاه مولانا إسماعيل التاج، على 8 بنود، تمثل القيم العليا للثورة في السلام والعدالة والمساواة.
كما نص الميثاق على حماية الديمقراطية ومنع البلاد من الارتداد للأنظمة الشمولية، والعمل على رعاية الفترة الانتقالية، ومناهضة الأنظمة الديكتاتورية والانقلابية. وطالب باستخدام الوسائل المدنية السلمية في مناهضة الديكتاتوريات وفي مقدمتها الوسائل السلمية والعصيان المدني والإضراب السياسي المفتوح..وفور مطالعتي لهذا الميثاق تداعت الى ذهني ذكرى ميثاق سابق بذات المواصفات وتمت صياغته في مثل ذات الظروف (انتفاضة أبريل 1985 )، كانت اختطته كل القوى السياسية السودانية إضافة إلى ممثلين للقوات المسلحة، فيما عدا جماعة (الكيزان) وكانت عامها تمارس نشاطها السياسي تحت مسمى الجبهة الاسلامية القومية، ولكن للخيبة لم يصمد ذاك الميثاق الذي كان يحتشد بحزمة من البنود تدافع كلها عن الديمقراطية بالحروف والانشاء فقط، فقد انهار مع أول انقلاب يواجهه (انقلاب الكيزان في يونيو 1989 ) الذي استولى على السلطة بكل سهولة ويسر ودون عناء يذكر، وجثم على صدر البلاد وكتم أنفاس الشعب لثلاثين عاما حسوما الى أن أطاحته ثورة ديسمبر أبريل الحالية..
فهل يا ترى والحال هذا تذكرت قوى الحرية والتغيير ذاك الميثاق ووقفت عنده ودرسته ومحصته واستفادت من دروسه وعبره، الرأي عندي أنها لم تفعل ذلك بدلالة أنها تكرر ذات التجربة بحذافيرها، والحكمة الصوفية القديمة تقول (كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها)، فما الحكمة التي تبتغيها قوى الحرية والتغيير من تكرارها لذات التجربة، بعد أن ثبت تماما من درس ميثاق الدفاع عن الديمقراطية السابق، أن الديمقراطية لا تحميها المواثيق والمخطوطات بل وعي المجتمع وقناعته بها، وقبل ذلك بالممارسة السياسية السليمة لها داخل الأحزاب، بل أن الدفاع عن الديموقراطية ليس شأناً خاصاً بالأحزاب وحدها وان صلح حالها من حالة الضعف التي تعانيها، وإنما هو مهمة وطنية يتوجب على كل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومؤسسات أهلية ناشطة في مختلف جوانب الحياة العامة الاضطلاع بها. وبالضرورة فإن هذه المؤسسات المدنية إن لم تكن تتوفر على قدر من التجربة والتقاليد لن تحمي نفسها دعك عن الديمقراطية، ويحضرني في هذا الخصوص المشهد التاريخي للجماهير التركية التي تدافعت إلى الشوارع بمختلف تياراتها السياسية دفاعاً عن الديمقراطية ورفضاً للانقلاب دون خوف وبجسارة، فعندما تغيب مصدات حماية الديمقراطية المتمثلة في شعب حريص عليها، ومؤسسات مدنية مؤمنة بها، ومؤسسات رسمية ترى مصلحة الدولة فيها، فإن الحاكم حتى لو جاء بكل آليات الديمقراطية، ومنها الانتخابات الحرة والنزيهة، فإنه من السهل جدا أن يصير طاغية دون أن يحرك أحد ساكنا. وتبقى أي مواثيق بلا جدوى ولا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به..