صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

المزيد من “الغتغتة والدسديس”!..

9

للعطر إفتضاح

مزمل ابو القاسم

المزيد من “الغتغتة والدسديس”!..

* ذكرنا من قبل أن أي جهدٍ يستهدف إقامة أركان دولة القانون، وإعلاء راية العدالة، ومحاربة الفساد المستشري لن يثمر، ما لم ينصلح حال المؤسسات العدلية في بلادنا، لتضطلع بمهامها، وتقيم القسط بالميزان.
* تطرقنا إلى حال النيابة تحديداً، وذكرنا أنها تأثرت بإرث النظام المقبور، وتسببت في إجهاض العدالة، وحالت دون وصول العديد من المتهمين في قضايا فساد كبيرة إلى ساحات المحاكم، بإشرافها على تسوياتٍ مخلةٍ، تسببت في إهدار المال العام، وسمحت بها لمتهمين توافرت في مواجهتهم أدلة دامغة، وقرائن قوية بالإفلات من المحاكمة.
* تأكدت تلك الحقيقة أكثر، عندما قرأت تصريحاً أصدره مولانا د. محمد الحافظ، نائب المراجع العام، وتحدث فيه عن وجود (تقاطعات) بين الديوان ونيابة المال العام، حول قضايا فساد، شُطبت بأمر النيابة قبل أن تنظرها المحاكم.
* نشهد لديوان المراجعة القومي أنه ظل حريصاً على حفظ الحق العام، وأنه أدى مهمته بمنتهى التجرد، ورصد مئات القضايا المتعلقة بنهب الحق العام، ووثق تجاوزات مالية عديدة، حدثت في دواوين الدولة، بلا مجاملة ولا رهبة من أي مسئول، لكن جهوده ضاعت هباءً، بسبب سيادة فقه التحلل، والتسويات المعيبة التي تتم في النيابة.
* ولأن الصحافة الحرة ظلت تصوب أضواءها الكاشفة نحو مواقع العفن، ومواضع التجاوزات فقد اجتهدوا لتكميمها، بإشهار سيف (حظر النشر) في وجهها، بتطويعٍ مُخلٍ لمادة بعينها في قانون الصحافة.
* تنص المادة (26) من قانون الصحافة، (بعنوان واجبات الصحافي) في الفقرة (هـ) على ما يلي: (أن لا يعلق على التحريات أو التحقيقات، أو المحاكمات إلا بعد الفصل فيها بصفةٍ نهائية).
* بحسب النص فإن المنع متعلق (بالتعليق) وحده، والتعليق يتصل بالرأي، وليس الأخبار ولا التحقيقات ولا غيرهما من القوالب الصحافية المعلومة للكافة، كما أن سلطة حظر النشر معقودة للمحاكم وحدها، إذ لا سلطة مباشرة للنيابة على الصحافة بأي قانون.
* عبنا من قبل على وكيل نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية أنه ابتدر عمله بإصدار أمر حظر نشر في (كل القضايا) التي تباشرها نيابته، وذكرنا أنه فعل ذلك بحكم العادة، لأن النيابة تعودت على منع الصحف من ملاحقة قضايا الفساد، ولم تكن صدفة أن تنتهي معظم تلك القضايا بتسوياتٍ قميئة، تحول دون تحويل المتهمين إلى القضاء.
* قبل أيام نشرنا خبراً يتحدث عن ضبط شحنة مخدرات ضخمة (17 طناً)، أتت بطائرة خاصة، هبطت في مدرج مجموعة الصافات بالمطار العسكري، وتسربت إلى شاحنات كبيرة، تم توقيفها بالقرب من مدينة عطبرة، وذكرنا أن النيابة أصدرت أوامر قبض في مواجهة عدد من المتهمين، ومتهمين آخرين من جنسيات عربية.
* بعد (48) ساعة فقط من تاريخ نشر الخبر (الخطير) تلقينا خطاباً من النيابة، عبر المجلس القومي للصحافة، يحمل أمراً لحظر النشر في القضية المذكورة، مع أن الخبر اقتصر على نشر وقائع صحيحة وثابتة، ولم يحو أي تعليق على القضية، ولا أي نقد لقرارات النيابة.
* بقي أن نذكر حقيقة مهمة، مفادها أن النيابة فشلت في تنفيذ أمر القبض على ثلاثة نظاميين متهمين في قضية خطيرة، تتعلق باستغلال مرفق حيوي حساس لتهريب شحنة مخدرات ضخمة.
* لم تتحرك القضية قيد أنملة، إلا في اتجاه حظر النشر، لمنع الصحافة من ملاحقتها ومتابعة تفاصيلها، لإقرار المزيد من (الغتغتة والدسديس)، ومع ذلك يتشدق قادة المجلس العسكري بالحديث عن سعيهم لإعلاء قيمة (القانون).
* عن أي قانونٍ يتحدثون؟

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد