درج الرئيس المخلوع على أنه لا ينظر الى مصلحة السودان وشعبه ، في كثير من القضايا المهمة المتعلقة بمنزلته الخارجية ، كانت نظرته يعيبها القُصر ورؤيته ناقصة لقراءة الأحداث السياسية ، التي تؤثر على مصلحة الوطن والمواطن ، وكان لا يكترث لخلق عداءات طويلة الأجل مع المجتمع الدولي ، يتعامل مع القضايا الشائكة وكأنها حرب وعداء معه شخصيا ، فكلما فرض مجلس الأمن او الولايات المتحدة عقوبة على السودان ، اعتبرها هجوماً شخصياً عليه ، يحشد أنصاره ويصعد على خشبة المسرح يلوح بعصاه مهدداً بأسلوب عاجز وسطحي حتى عزل السودان عن دول العالم وجعله يعيش سنوات عجاف جعلته يتخلف عن مصاف الدول ، ويعيش إنسانه فقرا وحروبات وفساد ، دون إراداته .
وبعد مجيء ثورة ديسمبر المجيدة وللأسف لم يستفد تلاميذ البشير في الحكومة الإنتقالية من هذا الدرس ، فبالرغم من علمهم التام أن لا مجال للانقضاض على عملية الانتقال الديمقراطي ، المحمي بالثورة وشبابها داخلياً والذي يحظى بإجماع ودعم دولي غير مسبوق ، إلاَّ أنهم شابهوا البشير في اسلوب التهديد عبر الخطابات السياسية ، المشحونة بالعبارات التي لاتصلح الا لمخاطبة الجنود من اجل إعلاء روحهم المعنوية ، (نحن من نحمي الوطن ) ونحن من (نحبط الانقلابات ) ، والتي تليها تلقائياً اصوات التكبير والهتاف ، فالبشير كان يهدد العالم كله بعصاه وكأنه يهش على غنمه ، هذا الإسلوب الفقير الفطير يكشف عن جهل القيادات بمفهوم معنى التغيير الذي حدث في السودان ، والذي يحتاج لعقلية سياسية تقرأ اولاً وتفهم درس الثورة جيداً ، وتدرك تماما ان لاشي يمكن ان يعرقل مسيرة التحول الديمقراطي وان هذه المحاولات لاتزيد الثورة إلا قوة وتماسكا ووحدة .
حتى المكون المدني هو اكثر المستفيدين من الذي حدث كسب دون جُهد ، ويمكن ان يستمر ربحه إن اغتنم الفرص واستثمرها جيداً لصالحه
اما رئيس مجلس الوزراء كلما بعد عنه الشارع الثوري ، طوى له المكون العسكري دون قصد مسافات البُعد طياً ومنحه التعاطف من جديد ، وردم له هوة الجفاء بينه وبين الشارع الثوري ، بعد ان جرفتها سيول القصور من قبل حكومته وملاحقتها بالسخط بسبب التقصير الكبير ، لهذا ان القيادات العسكرية في المجلس السيادي لم تفشل فقط في حفظ وامن المواطن بل فشلت حتى في تسديد الهدف ، الذي ارادت ان تكبد به شركاء الحكم الخسارة.
كما انها خسرت ايضا المجتمع الدولي الذي كان مرناً للغاية معها ، عندما قَبِلَ شراكة البرهان وحميدتي في حكم البلاد مابعد الثورة ، بالرغم من أنه اكثر علماً ودراية بسجل كل منهما ، ماقبل الثورة ومابعدها لكن لم يغنما من قيمة هذا الشي ، وهذا كله يعود الي الجهل السياسي المركب ، كما أن التهديد والوعيد على (طريقة البشير) ، يكشف عدم الوطنية ويعزز بطلان صحة قولهما انهما يعملان لمصلحة الوطن ، فالعمل جدياً لعودة السودان الي الوراء وجلب عقوبات جديدة له بسبب الأغراض والمصالح السياسية ، يعني أعراض الأنيميا السياسية.
فالولايات المتحدة الامريكية حذّرت عبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور بوب مينينديز من أنها قد تعيد فرض العقوبات على السودان، إذا أطاحت ما وصفها بـالقوى المناهضة للديمقراطية بالحكومة المدنية وقال انه بمثل الطريقة التي رفعت بها الولايات المتحدة العقوبات، يمكنها إعادة فرضها إذا أطاحت القوى المناهضة للديمقراطية بحكومة السودان ، وأضاف السيناتور الديمقراطي: يجب أن يبقى الجيش في الثكنات وسنستمر في دعم انتقال بقيادة مدنية هي المسئوولة عن المدنين وحقوق الانسان.
وحديث السيناتور كأنه جاء رداً وضاحاً وحرفياً على حديث البرهان عندما قال 🙁 لن تستطيع أية جهة أن تبعد القوات النظامية من المشهد بالسودان خلال الفترة الانتقالية لأنه لا توجد حكومة منتخبة ) ، هذا هو قُصر النظر السياسي الذي يجعلك لاترى ابعد من مقعدك ومنصبك في القصر الجمهوري ، الخطاب السياسي يحتاج الي وعي سياسي فالعالم الذي يراقبك عن بعد ، لايترتدي مثلك بزة عسكرية
طيف أخير :
يميل الناس إلى المبالغة في كل شيء، إلا أخطائهم يرونها لا تستحق النقاش