بعض التجار فاسدي الذمة يبيعون الشارين بعض السلع التي تبدو من ظاهرها سلعة جيدة، ولكن عندما يغادرون المحل التجاري يكتشفون أنها مضروبة ويتعذر عليهم اعادتها واسترداد ثمنها فالبضاعة عند هؤلاء التجار لا ترد بعد خروجها من المحل، وقريباً مما يفعله هؤلاء التجار مع الشارين، تفعله ادارة الكهرباء مع جمهور المستهلكين للكهرباء، ووجه الشبه هنا هي أنها تبيعهم الكهرباء مقدما، ولكنهم في كثير من الأحيان وخاصة هذه الأيام لا يجدون هذه السلعة التي قبضت ثمنها ادارة الكهرباء مقدما، حيث تظل الكهرباء مقطوعة لساعات طويلة، وهذا لعمري وضع يماثل وضع من يشتري سلعة ولا يستفيد منها لفسادها فيلقيها في المزبلة مثل الاطعمة منتهية الصلاحية، أو أنها في رواية أخرى مثل بعض السماسرة المستهبلين الذين يبيعون السمك وهو في الماء، وهذه شرعا تعتبر بيعة فاسدة وباطلة، فالبيع الفاسد في الشرع هو ما اختل فيه ركن من أركان البيع المعروفة، وهي البائع والمشترى، والثمن والمثمن، والصيغة، وهذه الأركان الثابتة للبيع لكل منها شروط لازمة التوفر فيه، إذا اختل شرط منها فسد الركن، فيفسد البيع تبعا لذلك، وإذا وجد الشرط سالما، واكتملت باقي الأركان صَلَح البيع، وبُحث بعد ذلك عن المحسنات التي تجعل البيع محمودا أو مذموما، كالسماحة المدعوِ بالرحمة لمن باع بها واشترى (سمحا اذا باع، سمحا اذا اشترى، سمحا اذا اقتضى)، وبسبب من اختلال العلاقة التي يحكمها عقد اذعان بين الجمهور وادارة الكهرباء، والظلم البين الذي يقع على الجمهور كطرف وركن في البيعة، تعتبر ادارة الكهرباء تمارس البيع الفاسد..
والأدهى والأنكى من فساد البيع هنا، هو سعي وزارة المالية بالتحالف مع وزارة الطاقة وبمباركة الحكومة لزيادة أسعار الكهرباء زيادة مهولة تبلغ ستمائة في المائة، وهذه مفارقة بائنة وجرأة وقوة عين لا مثيل لها، اذ كيف تتم زيادة سعر سلعة لا وجود لها، اللهم الا ان كان ذلك فصل من الفصول البايخة التي ظلت تصفعنا بها الحكومة، على رأي الكوميديان الأشهر عادل امام، ففي مشهد من مسرحيته الشهيرة (شاهد ما شافش حاجة)، قال عادل امام (أما أنا ح احكي لكم عن حتة فصل، امبارح جاتني فاتورة التليفون فيها مكالمات زيادة بـ 18 جنيه، تخيلوا 18 جنيه مكالمات زيادة، مع العلم اني انا نادر لما اتكلم مع حد، اتكلم مع مين يا حسرة، ثم انا ماعنديش تليفون)..وذات الأمر انطبق على الوقود بشقيه البنزين والجازولين الذي تم تحريره بالكامل، ولكن للأسف ظل حاله كما كان ولم تحدث فيه اي انفراجة رغم غلاء أسعاره، فالصفوف مازالت تتمدد وتتلوى كالمعتاد، رغم أنه يباع وفقا للأسعار العالمية وسعر الدولار بالسوق الاسود..فالحكومة بهذا الصنيع تأكل أموال الناس بالباطل وعليها ان تتوب بالعدول عن هذا الصنيع وقبل ذلك أن تستغفر ربها..