بعد سقوط النظام السابق، أطلق بعض الشائنين والساخطين والساخرين مقولة (نصوم رمضان بدون كيزان) إمعاناً في إقصائهم بعيداً.. مع أن (الكيزان) أي الإسلاميين وجودهم مثل ضوء الشمس وكسبهم في الشارع وسط النخب والمثقفين لا ينكره إلا مكابر في عينيه رمد وفي قلبه (غل)، ولكن الإسلاميين هزمتهم الطبقة التي حكمت باسمهم طوال ثلاثين عاماً فأورثتهم هذا البغض والكراهية الشعبية خاصة في العامين الأخيرين بعد نكوص قيادتهم عن دستور وضعته باختيارها ووثيقة إصلاح للدولة والحزب مهرتها باختيارها، وعندما حان أوان اختيار صدقية ما كُتب تنصلت عنه القيادة في رائعة النهار، وكانت تلك بداية السقوط من كرسي الحكم.. ولكن بقيت الفكرة والأشواق والعزيمة في النهوض مرة أخرى والتماس أسباب النجاح من بين ذرات رماد الهزيمة..
اقترب رمضان من الانصراف بلياليه العاطفية وأفراح المساءات والهرولة للمساجد والإصغاء لأغاني السر قدور ومتابعة آخر مباريات الكؤوس الأوروبية، و(الكيزان) ذهبت قيادتهم للسجون في انتظار المحاكم إن وجدت لبعضهم حيثيات تدفع بهم للوقوف أمام القضاء.. وبقيت قواعدهم أغلبها حائر من هول ما حدث لم يفق بعد من صدمة السقوط، والبعض الآخر أدرك منذ سنوات بأن سفينة الحكم قد تعددت ثقوبها ووهنت أشرعتها.. ومسألة غرقها حتمية..
انقضى رمضان بدون (كيزان) واقترب عيد الفطر المبارك، ولا يزال الشريكان (المدني والعسكري) يبحثان عن قسمة لكراسي حكم في بلد يعيش على الكفاف.. وينتظر البترول العربي والودائع العربية والوصايا العربية.. ولا يزرع أرضه ليأكل من ثمرها.. ولا يشيد طرقاً مستغرقاً في صراع عدمي ما بين النخب.. ويطل عيد الفطر المبارك وبلادنا بلا حكومة.. أكثر من خمسين يوماً والخرطوم بلا وزير خارجية ولا وزير داخلية ولا وزير مالية والحياة تمضي.. لا يزال الأمن مستبباً والقيم محفوظة، والمتمردون السابقون وضعوا السلاح في (وادي هور) و(خسار مريسة) و(خور الدليب) و(وادي أم سردبة) و(صبوها) قبالة القيادة العامة للجيش.. في انتظار تشكيل حكومة مدنية، ولكن حتى أمس تباعدت المسافات واختلف الشريكان حول المجلس (السيادي) لمن تكون الأغلبية ومن يتولى رئاسة المجلس، بعد أن طمع السياسيون في كرسي الرئيس البرهان، ويريدون (زحزحته) بذريعة أن الثورة ثورة شعب والجيش جيش الشعب..
لو اتفق الشريكان على المجلس السيادي، فإن تفاصيل الحكومة المدنية يصعب تجاوزها قبل إعلان ثبوت شهر شوال، لنصوم رمضان بدون كيزان ونفطر بدون حكومة..!!
وفي الحالتين الحياة تمضي والناس (تعرس) و(تنبسط) ، والمزارعون يترقبون هطول الأمطار ووصول الجازولين أكثر من ترقبهم لحكومة ما بعد البشير..!!