قال الامام الصادق المهدي بانه لايمكن تسمية التغيير ثورة الا اذا هدم الباطل واقام الحق مشيرا الى ان السودان يحكمه أربعة تيارات وهم التيار الثوري، والتيار الشعبي: هذان نشارك فيهما. والتيار الشغبي الذي تقوده عناصر مؤدلجة تحرص على صنع شعبية مفقودة، وتيار الردة. هذان التياران نعارضهما بقوة.
جاء ذلك خلال خطبة القاءها الصادق المهدي مؤخرا بمسجد مردس بالكلاكلة تحدث بها عن الوضع السياسي والاقتصادي في السودان .
واليكم نص خطبة الإمام الصادق المهدي بمسجد مردس بالكلاكلة القبة الجمعة :
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة والسلام على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم، أما بعدـ
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
الإنسان في حد ذاته من آيات الله في خلقه، لقد نفخ فيه من روحه ما جعل له قبساً من روح الله، ووهبه العقل البرهاني، ووهبه الحرية (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، ومع الحرية يكون الحساب يوم الجزاء (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وأثناء الحياة الدنيا على الإنسان الالتزام بمكارم الاخلاق من صدق وأمانة وكرم وعفة وهلم جراً.
ولأن الإنسان مخلوق مميز فقد أوجب الله له حقوقاً هي الكرامة، والعدالة والحرية والمساواة والسلام.
المساواة حق عام بين الرجال والنساء وبين الأعراق المختلفة الأبيض والأسود وسائر ألوان البشر وسحناتهم سواسية لا يتفاوتون إلا بصالح الأعمال، وكلهم أشراف لأن جدهم الأعلى نبي هو آدم عليه السلام.
المخلوقات الحية كلها تتوالد على الشيوع، ولكن الإنسان يتوالد ضمن رابطة خاصة هي رابطة الزواج. عقد الزواج عقد اختياري بين الرجل والمرأة هما أصحاب القرار يبرمانه مباشرة أو عن طريق وكيلين بحضرة شاهدين ومهر مدفوع. وينبغي أن يكونا راشدين بلغا سن النكاح. ولهذه الرابطة الزوجية مقاصد حددتها الآية (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .
وإن تعكر صفو الزوجية باختلاف يكون الحل شورى بينهما، فإن استحال الاتفاق (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ) .
الأحاديث التي تؤسس لدونية المرأة غير صحيحة، فهي أختنا في الإنسانية، وفي الإيمانية، وفي المواطنة وقد قال تعالى (وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ) وجاء في الحديث النبوي «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» ومن الحقائق في السيرة أن أول مؤمن بالرسالة امرأة خديجة رضى الله عنها، وأول شهيدة سمية، وأول مؤتمن على سر الهجرة أسماء رضي الله عنها ولدى محنة الحديبية استشار النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضى الله عنها والتزم بمقولتها، وميز مكانة عائشة رضى الله عنها في بيان سيرته.
ولكن للأسف هذه المعاني طمست في معاملات أمتنا ما جعل كثيراً من نسائنا يملن لثقافات وافدة، فتنة يجب أن نحميهن منها ببيان حقوقهن في الإسلام كما أوضحت في كتابي «حقوق المرأة الإسلامية والإنسانية».
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
مجتمعنا اليوم يعاني من أزمة في الزواج. نسبة الشباب الذين يتزوجون من المستحقين حوالي 25%.
هنالك أسباب كثيرة لهذا العزوف عن الزواج وعلى رأسها أسباب مادية من غلاء في المهور ومبالغة في المصاريف كالصالات وفساتين الزفاف وغيرها بما لا يطاق. علينا في المجتمع أن نعمل على تسيير الزواج، ولكن اتضح أن هذا لا يكفي ما يوجب تدخل القوانين بتشريعات مناسبة.
ومع تدني نسبة الزواج ارتفعت نسبة الطلاقات فبلغت الآن أكثر من 33% وهي في مجتمعات السودانيين في الخارج أعلى من ذلك كثيراً.
سوف نعقد ورشة تحت ظل هيئة شئون الأنصار لتناول هذه المسائل المهمة واقتراح الإصلاحات الاجتماعية اللازمة والتشريعات المطلوبة.
نعم هنالك قضايا نعاني منها هي نسبة الفقر العالية، ونسبة التهميش، ونسبة العشوائيات، ونسبة العطالة، وعدد النازحين واللاجئين؛ وكلها بلغت درجة لا تطاق سوف نتطرق لها في المؤتمر الاقتصادي القومي المنشود، ولا شك أن لهذه القضايا تأثيرها على تدني نسبة الزواج وارتفاع نسبة الطلاق، وسوف أقدم للمؤتمر مشروع الاشتراكية العملية الأخلاقية إن شاء الله.
على أية حال مجتمعنا الآن يملك إرادته الحرة بعد ثلاثين سنة عجافاً، وسوف نهتم بأزمة الزواج والطلاق كما نهتم بالمسألة الاقتصادية فبلادنا تملك إمكانات زراعية وصناعية هائلة تنتظر استثمارها وتوزيع ثمارها بالعدل بين أهل السودان.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
لا يستحق التغيير أن يسمى ثورة إلا إذا هدم الباطل وأقام الحق. لقد تمكن شعبنا من تحقيق الشق الأول وهو هدم الباطل وعلينا الآن الحرص على إقامة الحق.
هذه المهمة تتطلب عزيمة شعبية واعية وغالبة وعناية إلهية مستحقة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) .
قال نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام «خَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوْقَهُمَا مِنَ الْبِرِّ شَيْءٌ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَ النَّفْعُ لِعِبَادِ اللَّهِ».
استغفروا الله فإنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعدـ
أحبابي في الله و إخواني في الوطن العزيز
ذات يوم تأملت إنكار بعض الناس لعطائنا فاتصل بي طبيب قال لي تعال أقص عليك رؤيا رأيتها فذهبت اليه. قال رأيتك في المنام تمشي ويمشي وراءك شخص يحمل ورقة وعندما وصلك سلمك الورقة ومكتوب عليها: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) .
بعد ذلك تأملت مظاهر الجحود في بلادنا وأهمها:
• قال لي عالم الآثار تشارلس بونيه إنه عندما هم بإجراء حفريات في السودان قال له زملاؤه لا تتعب نفسك فالمناطق التي تقع جنوب مصر ليس فيها تاريخ بل مجرد وجود جغرافي، ولكنه بعد إجراء الحفريات في كرمة اكتشف أن حضارة حوض النيل انتقلت من الجنوب للشمال وأن حضارة الإنسان بدأت هنا.
• حضارة السودان الكوشية استمرت ألف عام فهي أطول الحضارات القديمة عمراً. ثم دخلت السودان المسيحية وقامت فيه ثلاثة ممالك مسيحية. مملكة المقرة قاومت الفتوحات القادمة من الشمال بما فيها الفتح الإسلامي الذي احترم مقاومتها وأبرم معها معاهدة تعايش: اتفاقية البقط.
• ثم انتشر الإسلام في السودان سلمياً وليس في ظل دولة مركزية، وقامت في السودان ممالك إسلامية وطدت مكانة الإسلام في شماله وشرقه وغربه.
تعرضت مملكة سنار للغزو العثماني. الحكم العثماني ونسخته الخديوية في مصر بدأ مصلحاً ولكن تدهور حاله واخترقته الإمبريالية الأوربية.
• في وجه هذا الظلم نشأت حركات معارضة وكانت الدعوة والثورة المهدية هي أنجح وأقوى حركة رفض للسلطان الإمبريالي الغازي. وكانت كذلك أقوى معبر عن أشواق المسلمين لبعث الإسلام وتوحيد الأمة. لذلك قال المؤرخ المصري المنصف د. عبد الودود شلبي إن الدعوة المهدية جسدت تطلعات المسلمين في زمانها.
وقال المؤرخ المصري الشهير يونان لبيب رزق إن التيارين البارزين في الشارع السياسي في مصر وهما التيار الإسلامي بقيادة الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، والتيار الوطني بقيادة العرابيين كانا يرحبان بانتصارات المهدية لتحرير مصر نفسها من القبضة الإمبريالية.. حقائق جحدها الجاحدون واصمين الدعوة والثورة المهدية بمثل ما ورد في رواية «شوق الدرويش».
• ومع أن استقلال السودان بدءاً من المطالبة بتقرير المصير حتى الاستقلال كان من منجزات الحركة الاستقلالية نسب الجاحدون تحقيق الاستقلال لمن بذلوا جهداً كبيراً لضم السودان للتاج المصري.
• واستمرت حالة الجحود، فالقوة السياسية التي قاومت الطغاة الثلاثة الذين تسلطوا على حكم السودان، وكان لها الدور المهم في الإطاحة بهم حرص بعض الجاحدين على إنكار هذا العطاء.
وفي مقاومة النظام المباد الأخير فان الكيان السياسي الذي أبطل دعاويه الإسلامية بالحجة القوية وصمد في وجهه ثلاثين عاماً. وانفرد بعدم مشاركة النظام رغم المغريات وتعرضت قيادته لكيد النظام المتكرر ودون ضدها بلاغات كثيرة آخرها 10 بلاغات عقوبة بعضها الإعدام استمرت في دفاتره حتى ساعة سقوطه.. الكيان السياسي صاحب هذا العطاء واجهه بعض الناس بالجحود.
لقد واجهنا النظام ثلاثين عاماً، وشاركنا في الانتفاضة المتراكمة ضده حتى ثورة ديسمبر 2018م. وفي 5 يناير 2019م قلنا إن هذا النظام صار جنازة تتطلب دفنها وقبل مواكب السادس من أبريل أعلنت ان المشاركة فيها فرض عين على كل مواطن أهبت بالجميع المشاركة فيها قائلاً «احتشدوا وارفعوا راياتكم وشعاراتكم سلمياً، اضربوا مثلاً»، مطالبا المخلوع بالاستقالة، والقوات المسلحة ألا تبطش بالمواطنين، وقد كان. ومع مشاركة جماهيرنا في الأقاليم وفي العاصمة في الثورة ودعم الحماسة بالحكمة التي ولدت النظام الجديد فقد حرص بعض صيادي البطولات الزائفة أن يصفوا هذا العطاء بالجحود.
لقد حرصنا على عدم المحاصصة في النظام الانتقالي الذي ساهمنا في هندسته ومن دخل فيه من المنسوبين لنا دخلوا دون قرار منا.
على أية حال، نحن ندعم الحكم الانتقالي ليواصل الأداء إلى حين المرحلة الثالثة من الثورة وهي إجراء انتخابات عامة حرة ليستلم الشعب أمانته.
ولكن دعمنا للنظام تصحبه المناصحة، وآخرها حددنا النصح في أربعة ملفات مهمة قدرنا تعثر الحكم في إدارتها: ملف السلام، ملف الاقتصاد، ملف الأمن، وملف العلاقات الخارجية.
أحبابي
الشارع السوداني اليوم فيه أربعة تيارات: التيار الثوري، والتيار الشعبي: هذان نشارك فيهما. والتيار الشغبي الذي تقوده عناصر مؤدلجة تحرص على صنع شعبية مفقودة، وتيار الردة. هذان التياران نعارضهما بقوة.
ندعم المرحلة الانتقالية ونقول يجب أن تدار السياسة بالتراضي، ولكن أية مشكلة تستعصى على التراضي ينبغي حلها بالاحتكام للشعب وقطع الطريق أمام الفراغ والفوضى.
إن لنا أوراق اعتماد في مقاومة الطغيان والثورة ضده والحرص على الحريات العامة والديمقراطية لا تجارى.
وقد بدأنا منذ يونيو 2019م نفرة تعبوية تنظيمية فئوية شبابية إعلامية دبلوماسية استثنائية، وهي نفرة عززها انعقاد الهيئة المركزية وانتخاب الأمين العام الجديد.
هذه النفرة ستعم كل أقاليم السودان بالطواف، كذلك تعم مكاتبنا خارج الوطن.
هذه النفرة هدفها حماية مشارع الحق والتصدي لكل من يجور على حماها.
سوف نطوف السودان كله إن شاء الله برسالة الفجر الجديد ونطوف عوالمنا العربية والإفريقية والإسلامية والأممية نبشر بالسودان المتجدد وبالسلام وإنهاء الحروب وجلاء الجيوش التي تحارب خارج أوطانها. ونرحب بلا حدود بمشاركة أشقائنا أثرياء الأمة العربية في مشروع مارشال نحدد مشاريعه ونطالبهم بالتجاوب، ونطالب أصدقاء السودان الذين سوف يجتمعون في أبريل القادم بعقد مؤتمر على نمط دافوس لمشاركة في تنمية السودان تعود علينا وعليهم بالفائدة.
ونقول لهم القضية ليست استجداء مانحين، ولكنها تتطلب اتخاذ قرار بعدم محاسبة السودان الحر بخطايا النظام الظالم الذي كان الشعب السوداني من ضحاياه، وقرارات بالدخول في استثمارات على نمط: ابن، وادر، وحول، أو نمط المشاركة بينهم وبين القطاع العام والقطاع الخاص في السودان.
ختاماً
مهما كانت الأزمات كثيرة فإن الحرية والأمل وعطاء الشعب السوداني رأس مال لا يجاري لبناء الوطن حادينا (وَقُلِ اعْمَلُوا) ومن كد وجد.
اللهم أهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا، وارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا، وخذ بيد وطننا أرض جدودنا و منبت رزقنا.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .