أما و قد أناخ الغبار بعيره ، و وضع خطامه ، و نُزع عن المشهد السياسي لثامه ، و تكشف المخبوء ، و بان ما تحت الدسور ، و ما وراء الستور ، فإن علينا النظر إلي ما حدث في 11 أبريل 2019م من زاوية مباشرة و واضحة دون التخفي وراء التبريرات اللزجة ، و التأويلات السمجة ، فما حدث من اللجنة الأمنية ليس هو خيانة للرئيس البشير وحده و نظام الإنقاذ فقط ، بل هي خيانة لعهد و تجربة الحركة الإسلامية الممتدة لما يزيد عن ثمانين عاماً من الجهد والجهاد و الإجتهاد ، و خذلان لمشروعها الوطني الذي إلتف حوله الشعب السوداني و تجذر في المجتمع و كسبت به خلال مسيرتها الطويلة الحلفاء السياسيين و المناصرين و قادت به السودان في أحلك الظروف و أشدها حلكة ، حتي إذا بدأ الزرع يؤتي أكله و ثماره ، خانها الخونة ، و طعنت البلاد في ظهرها طعنة تعاني من ويلاتها الآن ، و بدأ الإنهيار في كل مجال من مجالات الحياة ..
يثار جدل طويل وعنيف وجاد ، حول هذا اليوم 11 ابريل 2019 م ، و حول الشارع الذي تمت صناعته للإستعانة به لتمرير المشروع الخياني بعد أن تلاقت مرادات القوي الخارجية و التيار الخؤون لتغيير الوجهة و إزاحة السلطة القائمة و الإستيلاء علي السلطة ، و تأسيس واقع سياسي جديد ، و لا يستقيم التقييم الصحيح لما حدث ، دون النظر إلي الي كامل الصورة ومن كل جوانبها في الداخل الخارج و معرفة مواطن الخلل وموضع العلل ، و من يقفون وراء ما حدث ، و لابد هنا من توضيح عاملين اساسيين هما : ــــــ
أولاً : ظل التحضير و التجهيز لعمل منظم ضد النظام القائم آنئذٍ من فترة مبكرة سبقت الحدث بعد أعوام ، حيث أفردت ال ( MI6- المخابرات الخارجية البريطانية ) ووزارة الخارجية البريطانية بالتنسيق مع وكالات إستخبارية غربية و عربية تمويل مشروعات سياسية لتدريب مجموعات من الشباب و الكوادر الحزبية لقيادة منظمات مجتمع مدني تعمل في الشارع و وسط المجتمع تتولي عن ملية إنضاج وتنفيذ خطة تثوير الشارع و إدارته ، و تكثفت الدورات التدريبية في عدة عواصم غربية و شرق افريقية ، وذكرت عدة تقارير غربية أن المبلغ المخصص للتغيير في زيمبابوي والسودان وعملية ازاحة التغراي من السلطة و إنتقالها مركزها من داخل التحالف الحاكم في أثيوبيا ، بلغ ( 179 مليون جنيه إسترليني )، بما فيه دعم برامج التدريب وتأهيل بعض التنظيمات السياسية و الدعاية و الإعلام ، و صنع كادر غوغائي علي منصات التواصل الاجتماعي ، وتسخير الإعلام الرقمي في صناعة نجوم الشارع و الثورة المراد تصنيعها .
و ظل هذا العمل مستمراً و ينجز مهامه منذ فوران ثورات الربيع العربي ، لم يثمر في أحداث سبتمبر2013م ، و زادت وتيرته بعد ذلك بزيادة الدورات التدريبية وصناعة الكادر و شراء الذمم السياسية ، و بما أن الشُهية فتحت بصورة أكبر بعد التغيير الذي حدث في أثيوبيا بنقل مركز السلطة بإنقلاب قصر داخل التحالف الحاكم ، ثم إزاحة الرئيس الزيمبابوي و البطل التاريخي للإستقلال روبرت موغابي ، تفرغ من هم في الداخل مع الأرباب و الأسياد في الخارج لإنهاء حكم البشير …
ودخلت هنا منظمات و واجهات إستخبارية أمريكية و ألمانية و فرنسية ونرويجية و طبعا في المقدمة الموساد الإسرائيلي ، مع العلم انه توجد ملفات هائلة و معلومات تفصيلية عن الجهات التي صنعت ما حدث ومع من تعاونت من أدعياء الثورة و قيادات اليسار و الاحزاب الحاكمة حالياً .
ثانياً : تولت جهات خليجية بمعاونة إسرائيلية عملية إختراق المنظومة العسكرية و الأمنية ، و عملت علي الإستقطاب و الإتصالات ، و كيفية تنفيذ المخطط بكامله الذي رسم من الجهات صاحبة المصلحة في إسقاط النظام ، و تمت الإستعانة بمجموعات من السودانيين بالخارج من ذوي الإرتباط و الصلة بالدوائر الغربية المشبوهة و مجموعة من من يسمون بالليبرالييين الجدد و غالبهم يعملون بالمنظمات الدولية و جلهم يساريين تمت تجنيدهم لصالح المخابرات الغربية خاصة ( CIA) و (MI6 ) و ( DGSE – المخابرات الفرنسية) و ( – AIVD المخابرات الهولندية) و ( BND – المخابرات الالمانية) إضافة للموساد الإسرائيلي الذي كان يمثل رأس الرمح في العملية التي تمت ، و كان دول المخابرات الخليجية خاصة السعودية و الاماراتية و المصرية هو إختراق قيادت الجيش و قد توفرت لهم فرص ذهبية بعد مشاركة السودان في عاصفة الحزم . و تمهد الطريق للاستقطاب و التجنيد.. و كانت الخطة من البداية واضحة هي تحريك الشارع و تسخينه وتهيئة الظروف للانقضاض علي البشير و حكمه و تدبير تدخل قيادات الجيش علي الطريقة التي تمت في 1985 وفي التحرك المصري لإزاحة مبارك و نظامه .
تولت هذه الجهات الإستخبارية الخليجية و المصرية ، عملية الإختراق المباشرة و الناعمة ، بينما تولت الجهات الغربية تربيط و تشبيك و تنسيق عمل الجهات المدنية الشعبية و عناصر اللجنة الأمنية و الأحزاب السياسية مع عناصر داخل النظام و تكوينه السياسي .. كما تولت هذه الجهات عملية اإدخال وتهريب العملة السودانية المزيفة و تعقيد الوضع الإقتصادي لتعبيد الطريق لإشعال الشارع و تأجيجه ..
و كانت في هذه الأثناء قبيل اليوم المشؤوم 11 ابريل بعدة أشهر ، تجري الإجتماعات الداخلية و الخارجية ( لتوضيب ) المؤامرة ، و ما كانت الشهور الأخيرة إلا خواتيمها بكل تفاصيلها المعروفة لدي كثير من الناس ، وتفيد الإفادات المستقاة من صناع التغيير الخياني و اطراف أخري أن اللجنة الأمنية للبشير هي التي تم إختراقها و توظيفها للإجهاز علي نظام الحكم ، فقد كانت المخابرات الأجنبية تعبث عبثاً داخل المؤسسات النظامية ، فضلاً عن الإتصالات التي كانت تجري من الخارج مع كبار القادة العسكريين ، و هي التي حسمت الكثير من الأمور و مهدت لظهور وجوه المشهد العام الحالي ، و وضعت بلادنا علي فوهة المجهول و في مهب رياح الضياع ..
نواصل