صعدت روحه لبارئها في لحظة غضب وحنق وإحساس بإهدار العدالة الغائبة لأهم أركان حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ودينه ومعتقداته.. وانطوت صفحة لتاريخ رجل دولة وزعيم سياسي بلغ السلطة بأمر الشعب وإرادته.. وخياره.. وخُلِع من السلطة في غسق الليل بتحالف بين القوى الدولية والإقليمية والدولة العلمانية العميقة التي ناهضت وجود رئيس ديمقراطي منذ أن قال الشعب المصري كلمته..
مات أول رئيس مصري، يأتي عبر صناديق الانتخابات والإرادة الحرة.. ولكن مصر دولة عصية على خيارات شعبها ولأنها ثقيلة في ميزان العرب والمسلمين ودولة مفتاحية لأفريقيا غير مطلوب، ولا مرحب بوجود رئيس ينتخبه الشعب بغير مقاس محدد سلفاً..
نظر الدكتور محمد مرسي إلى عين القاضي، وهو في قفص الاتهام يحيط به العسكر الغلاظ.. ويترقبه الحاجب.. القاضي أشاح ببصره بعيداً عن عيون مرسي.. وبدا مرتبكاً يقرأ من الأوراق التي أمامه حيثيات اتهامات كُتبت في مخابئ المخابرات العامة تتهم رئيس مصر بالتخابر!! تلك أول تهمة في التاريخ توجّه لرئيس دولة منتخب بإرادة شعب بلاده..
رفضت المحكمة وضميرها غائب.. وعدالتها معلقة بأحذية السلطان السماح للدكتور محمد مرسي أن يقول كلمته الأخيرة وصدره مثخن بالآلام.. والإحساس بالظلم في الأرض واليقين المطلق بأن عدالة السماء تنتظره والرفاق الذين تفيض بهم السجون.. وجميعهم يقرأون قرآن الفجر.. ويرددون مع هاشم الرفاعي:
مصر ماذا يخط بناني والحبل والجلاد ينتظراني
وكان مرسي مثل حسن الريحاني، حينما وقف أمام محكمة في بغداد آخر أيام طاغية الرافدين عبد الكريم قاسم وهو ينظر إلى حبل المشنقة الذي يتدلى خلف القاضي.. فقال حسن الريحاني أيها المأمور بأمر الباطش أحكم بما يمليه عليك سيدك ودع ضميرك ينتظر ما تجود به عطايا وهبات الرئيس..
كان محمد مرسي مثله قد احتقن صدره بمرارة ما يسمع من عنف لفظي وعنف مادي والتعبيرات الكامنة في اتهامات ضباط المخابرات المصرية لكلمات نابية مستهلكة بحق أحرار ثوار، ولا يحس بمرارة تلك الكلمات التي يرددها القاضي خلف الضباط إلا الضحايا القابعون في السجون.. ويسأل الرئيس المصري مرسي هل أنا في عالم متحضر ونظام مستنير؟
وأين بلادي من عدالة الغرب وبريطانيا يصدر قاضيها وليام ماكسفيرن تقريراً دامغاً عن تحيز البوليس البريطاني في قضية الفتى الأسود ستيفن لورنس الذي لقي مصرعه على يد عنصريين من البيض دون أن يثير ذلك ثائرة البوليس فصدر الحكم بإدانة البوليس، ولو كان القاضي وليام في مكان قاضي السلطان المصري لأمر بالقبض على الذين أودعوا مرسي غياهب السجن وحرموه من حقه في تعاطي الدواء الذي يطلبه، ليموت رئيس مصر المنتخب ولا تبكي عليه إلا العيون الشعبية في أسيوط.. والإسكندرية والقاهرة وحلوان..
وصفحة تاريخ د. مرسي مضيئة، وتبقى مفتوحة للعبر والاعتبار من طغاة القرون الحديثة، كيف ينتهكون حقوق المتهمين لحد الموت حسرة وألماً على ضياع قيم العدالة وإهدار كرامة الشعوب تحت أحذية العسكر!!