صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الشرق مرة أخرى

14

مهيد صديق 

الشرق مرة أخرى

السؤال الرئيسي هو: لماذا ذهبت حكومتنا في طريق النظام السابق في التعاطي مع قضية الحرب والسلام، وسارت في طريق خطر جداً وهو عقد الاتفاقات الجزئية التي تنتج حروباً جديدة (اتفاقيات تنتج الحرب)؟! هذا ليس رأي وإنما أصبح قانوناً في التجربة السياسية السودانية.

ونجد أن أي اتفاق سلام يكتفي فقط بالمشاركة في السلطة وتوزيع الثروة، دون مخاطبة جذور المشكلة وتفكيك بنية السلطة المنتجة للحروب، فهو فاشل، واتفاق جوبا للسلام أعاد نفس تجارب الاتفاقيات على مدى تاريخ السودان، آخرها اتفاق نيفاشا مع النظام المباد، الذي أدى إلى حدث كارثي في التاريخ السوداني، وهو انفصال الجنوب، فسلام جوبا وقع في ذات الأخطاء التي ذكرتها.

وأقولها بالفم المليان بأنه سيذهب بنا إلى حروب جديدة، وهو ما حدث سابقاً في الذاكرة القريبة، حيث اشتدت الحرب في دارفور وكنا في الخرطوم نتصور أنه سلام شامل بذهنية المركز الذي لا ينتبه للنزاعات التي لا تمسه في اليومي مباشرة، وأرى أن الحكومة الانتقالية ذهبت في مسار الاتفاقية الجزئية للسلام (بتسارع وعدم خبرة من أعضاء مجلس السيادة وصمت مجلس الوزراء.

ملف الشرق (قديم منذ النظام المباد)، والأزمة الحالية في إقليم الشرق تفجرت كجزء من أزمة سلام جوبا، الذي ابتدع المسارات بدلاً عن القضايا، ولجأ لقسمة السلطة والثروة بدلاً من تفكيك بنية الدولة السودانية التي انتجت الحروب، وهنا تكمن المعضلة. وأيضاً يظهر النقص في العملية السلمية بالشرق، وحيث غابت الوثائق والنقاشات أثناء التفاوض الذي أدير بسرية وحصرياً على طرفين، بعيدًا عن القواعد والمكونات بالإقليم والمعنيين فعلياً بالاتفاقية. مما مهد الطريق لاحتجاجات وصراعات إثنية وقبلية بين المكونات بالإقليم.

وما تم فعلاً، تم الذهاب بالمسار في شرق السودان لصالح جهات لا تمثل أغلب هذه القواعد، مما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات بوجود لاعبين من خارج الحلبة، وأصابع استخباراتية جعلت من الشرق هدفاً لها، خصوصاً لكونه منطقة إقليمية أمنية حساسة (البحر الأحمر، والأطماع للموارد والموانئ والقواعد العسكرية، واحتلال لحلايب، ويجاور دولتي إريتريا وإثيوبيا بنزاعاتها الداخلية والحدود المضطربة، ولا ننسى تقاطعات وأذرع النظام البائد).

ويعتبر الإقليم الأكثر تهميشياً على مستوى التنمية منذ الاستقلال مع العلم أنه غني بالموارد الطبيعية، ولا يعقل أن تتم إدارة ملفها وقيادة التفاوض فيها بعقلية تفتقر لآليات فض النزاع وبناء السلام، وأهمها إدارة التنوع، فالإقليم كما بقية أقاليم السودان، يمتاز بالتنوع الإثني والقبلي، لذلك أقول إن ابتداع مسار الشرق كان خطأ، وهذا المسار لم يكن مطروحاً ضمن المفاوضات سابقاً (قرارات الاتحاد الأفريقي) – كذلك نضيف بقية المسارات، والأخص مساري الشمال والوسط – وتمت إدارته بعقلية قديمة وهي المحاصصة أي توزيع المناصب للسلطة ونسب مئوية ووزارات لأشخاص، وهو ما يدفع الكثيرين إلى أن الملف أدير من خلال قوى خارجية تطمع في الإقليم ودون إرادة وطنية، وأن الحكومة الانتقالية وفريق التفاوض الحكومي (سيادي وتنفيذي) والجبهة الثورية يتحملون تعميق الأزمة بعقم منهجهم في إدارة العملية السلمية في الشرق، بخلقهم أوزاناً لأفراد لا يمثلون الإقليم، وإن كانوا من أبناء الإقليم، ولكن أعطوا أنفسهم حق التحدث نيابة عنه، وتجاهلوا أصحاب المصلحة الحقيقية من قوى سياسية ومجتمعات ومكونات الاقليم. فكانت قسمة السلطة (30٪) في الإقليم لصالح حركتين فقط لا وجود قاعدي لهما، دون بقية القوى السياسية أو المحلية مما ولد شعوراً بالظلم.

وحتى أثناء وبعد الاتفاق وتعقد الوضع تسارعت وتيرة الأحداث والاشتباكات والموت المجاني بالإقليم، والتي تظهر بأنها متفرقة أو فردية لكنها ترتبط بخيط صراع السلطة والثروة، وتضاربت الحلول وتقاطعت بين مبادرات متناقضة من أعضاء بالمجلس السيادي (وكأنها استعراض لمراكز القوى داخله أو بالأدق صراع داخل السيادي)، وتنقل الملف بين مؤتمرات واجتماعات وزيارات عقدت لحل القضية، لقاءات من داخل القصر (البرهان/كباشي) ومؤتمر قاعة الصداقة (تاور) يناير 2020م ومؤتمر سنكات (حميدتي) سبتمبر 2020م واجتماع أركويت (الحكومة التنفيذية) 2021م وغيرها .

الحل لأزمة الشرق يتضمن عدداً من الإجراءات بجانب الحكومة

وهي:

-أولاً: توحد قناة الاتصالات المتعددة والمتناقضة في السيادي والتنفيذي، وتكوين لجنة واضحة هي المسؤولة عن الملف.

-ثانياً: الإدارة الأهلية ليست شراً كلها أو خيراً كلها لكن يجب وضعها في مكانها الطبيعي دون تضخيم من القوى المختلفة المكونة بالإقليم وفهم أنها ليست الممثل الوحيد للمواطن بالإقليم.

وتقف أمامنا عدة سيناريوهات، هي:

1. الاستمرار والإصرار على تتفيذ اتفاق المسار وهذا يولد صراعاً ونذر حرب أهلية. حيث ستحتكر السلطة بين حركتين فقط.

2. أن تبقى الحكومة وتواصل في المسار وتنفيذه وتقوم بصناعة مسار جديد مع مجموعة (المجلس الأعلى لنظارات البجا) وهذا خطأ لأنه يسير في نفس أسلوب المحاصصات، ولأنه يقسم الإقليم وستظهر مجموعة جديدة أيضاً تطالب بحقها في السلطة والثروة وتطلب مساراً ثالثاً.

3. السيناريو الثالث هو الحل المنطقي، وهو موجود ومتداول في الإقليم، ويحتاج لإرادة سياسية، وهو أن تعلن الجبهة الثورية بعقلانية ورغبة وطنية قرارها بتجميد اتفاق المسار، وأن تمضي الحكومة الانتقالية (التي تمثل الجبهة الثورية جزءاً منها)، مع مقترح إقامة (مؤتمر لقضايا إقليم شرق السودان)، وهذا المؤتمر يتم الإعداد له بسرعة وبتوافق، وتمثل فيه كل قوى الثورة في الإقليم، وفي مقدمتهم الثوار شابات وشباب والقوى السياسية الحزبية والمجتمع المدني وقواعده، والقيادات المجتمعية والدينية والصوفية والإدارات الأهلية والفئات المتعددة بالإقليم من رعاة ومزارعين ومعدنيين وغيرهم.

ويبدأ هذا المؤتمر من القواعد بالمحليات والوحدات الإدارية ومناقشة كل القضايا لمستقبل كيف يحكم الإقليم؟ أولها قضية الحكم المحلي والإقليمي وعلاقته مع المركز الاتحادي في توزيع السلطات، وثانيها مناقشة قضية الثروات في الإقليم وتحديد كيفية وضع مسار واضح للتنمية وتوزيع الثروات والموارد وأولويات التنمية على المستويات الثلاثة (محلي، إقليمي، اتحادي).

ومهم جداً ألا يستند هذا المؤتمر على مرجعيات أي اتفاقات سابقة كاتفاق الشرق 2005 أو المسار 2020. (ويمكن استصحابها كتجارب سابقة بصورة نقدية). فالحلول المستدامة لقضية الثروة والسلطة تكون بآليات ديمقراطية، وهذه فترة انتقالية تؤسس للسودان الديمقراطي ودولة المواطنة والعدالة، يتطلب هذا الطريق نقاشات قاعدية يشارك فيها كل المواطنيين بالإقليم وليست نقاشات فوقية أو نخبوية.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد