* أضحكنى تقرير صادر عن مركز (بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية) الإسرائيلى ــ بيغن هو رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى وقع اتفاقية السلام الاسرائيلية المصرية مع الرئيس المصرى أنور السادات في عام 1979 ) يقول ان السعودية والامارات تراهنان على (حميدتى) لتكرار تجربة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ، في السودان .. أى أن ينقض على السلطة في السودان ويفرض على الشعب السودانى حكما دكتاتوريا شرسا كما فعل (السيسى) في مصر، بتدبير من السعودية والأمارات ومساعدة حليفهما وعميلهما (طه عثمان الحسين)، اعتمادا على طموحه الكبير وتعطشه الشديد للسلطة !!
* احد إثنين ..إما أن الذى كتب التقرير محلل ساذج لا يعر ف شيئا عن السودان، أو أن الامارات والسعودية اللتين تراهنان على حميدتى ليكون رئيسا على السودان ساذجتين ولا تعرفان شيئا عن السودان وظروفه الاجتماعية السياسية رغم تغلغلهما في السودان وعملائهما وجواسيسهما المنتشرين بكثرة في بلادنا !!
* هنالك عدة اسباب تتعارض مع هذه الرؤية الساذجة، او الحلم السعودى الاماراتى الساذج:
* أولا، أن الشعب السودانى خرج من حكم دكتاتورى بشع حكم طيلة ثلاثين عاما، ولن يسمح ــ من إصراره الواضح الآن بانتقال السلطة الى المدنيين ــ بوجود حكم دكتاتورى آخر في البلاد، على الأقل في المدى القريب الذى من المرجح ان يتغير فيه المشهد بشكل كبير، وتظهر معطيات جديدة لا تسمح بوجود الجنرالات الحاليين في الصورة (بما فى فيهم حميدتى) الذين وصلوا الى الرتبة العسكرية الأعلى مما يحتم خروجهم الى المعاش في وقت قريب!!
* ثانيا، حميدتى لا ينتمى الى الجيش السودانى، بل كان على عداء معه، والكل يعرف أنه رفض رفض مطلقا عندما كان النظام المخلوع يبحث لقوات الدعم السريع عن صيغة دستورية تبرر الصلاحيات العسكرية الممنوحة لها بواسطة الرئيس المخلوع، رفض ان يخضع إداريا للجيش ولوزير الدفاع وللقائد العام للجيش، فاضطر النظام لخلق وضع دستورى معيب بتتبيعه دستوريا بشكل مباشر لرئيس الجمهورية، بدون أن يكون للقائد العام للجيش أية سلطة عليه، أى أن يكون للبلد جيشان (لا علاقة لأحدهما بالآخر)، ونذكر ان حميدتى قال في حوار تلفزيونى متفاخرا بهذا الوضع الشاذ انه ووزير الدفاع (في سرج واحد)، وكان كثيرا ما ينتقد ضعف الجيش في التصدى للتمرد، كما كانت بينه وبين وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة السابق ورئيس المجلس العسكرى الانتقالى السابق الفريق (عوض ابن عوف) حساسية شديدة، ولهذا رفض ان يكون عضوا في المجلس العسكرى الانتقالى إبان رئاسة عوف له، ولم يدخل المجلس ويقبل منصب نائب رئيس المجلس إلا بعد استقالة إبن عوف وتعيين (عبدالفتاح البرهان) الذى ربطته به علاقة صداقة وعمل مشترك في قوات حرس الحدود والقوات السودانية التى تحارب في اليمن !!
* من المتوقع ان تتم خلال الفترة الانتقالية إعادة بناء الجيش السودانى، فيستعيد قدرته العسكرية ويصبح القوة الضاربة الاولى في البلاد، وليس الثانية أو الثالثة بعد قوات الدعم السريع وقوات الأمن كما نرى الآن، وان يتم تصحيح الصيغة الدستورية الشاذة التى سمحت لقوات الدعم السريع ان تكون جيشا قائما بذاته، وتُضم للقوات المسلحة السودانية وتكون تحت إمرة القائد العام بعد إعادة هيكلتها وإعادة تكوينها بشكل قومى، إن لم يتم حلها وتصفيتها، وبالتالى فان حظوظ (حميدتى) ستصبح ضئيلة للغاية في الظهور بمظهر الرجل العسكرى الاول في الدولة، دعك من جلوسه على كرسى السلطة، فالجيش لن يسمح له بذلك، ولا لغيره من الجنرالات الحاليين الذين ينتمون للحقبة البائدة، إذا فكر في الاستيلاء على السلطة يوما ما!!
ثالثا، ولنتحدث بصراحة، رغم انحياز قوات الدعم السريع ودعمها للثورة الشعبية، إلا انها تفتقد الصفة القومية في تكوينها، وهو وضع لا يجد القبول لا من مدنى ولا ومن عسكرى، ولا سودانى ولا أجنبى، وبالتالى فإن حظوظ قائد هذه القوة مهما كانت حميد الصفات، في السيطرة على السلطة السياسية تكون تكون معدومة تماما!!
* رابعا، الفريق (حميدتى) لا يحظى بتأييد شعبى واسع عكس (السيسى) الذى كان يحظى بتأييد معظم جماهير الشعب المصرى عندما انقلب على الرئيس (مرسى) الذى كان مرفوضا من معظم الشعب المصرى، كما أن قطاعات كبيرة من الشعب السودانى في دارفور وغيرها، تعتبر (حميدتى) عدوا لها لاسباب تتعلق بالحروب الأهلية، ولا يمكن ان تقبل به رئيسا للسودان، وينطبق نفس الشئ على المنظمات الحقوقية العالمية، التى تؤثر بشكل كبير على متخذى القرار في الدول الغربية، وإن عجزت عن إضعاف موقف (السيبسى) لدى دولها رغم ملفه السالب، لحاجة تلك الدول إليه في الكثير من القضايا المشتركة مثل مكافحة الارهاب، فضلا عن الاختلاف الكبير بين السيسى وحميدتى في الانتماء العسكرى ..إلخ!!
* كما ان الشخص الذى تعتمد عليه الأمارات والسعودية في تقديم المساعدة لحميدتى للجلوس على كرسى السلطة في السودان، وهو (طه عثمان الحسين) شخصية مكروهة جدا لدى الشعب السودانى، ولا يمكن أن يسمح له بالقيام باى دور مستقبلى في السودان!!
* صحيح أن (حميدتى) بما له من قوة عسكرية تسيطر على الشارع الآن بسبب الضعف الشديد الذى يعانى منه الجيش، هو صاحب النفوذ العسكرى الأقوى الآن، ولكنه نفوذ مؤقت، سينتهى عاجلا ام اجلا، فضلا عن المعيقات الكثيرة التى ستعترض طريقه إذا فكر أن يكون (سيسى) السودان، كما ان الرجل قد ذكر أكثر من مرة أنه لا يطمع في شئ، وان كان التعويل على القول وحده لا يكفى لتصديق ما يقول!!