صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

السوق أصدق أنباء من بيانات الإحصاء

7

بشفافية – حيدر المكاشفي

السوق أصدق أنباء من بيانات الإحصاء

أعلن الجهاز المركزي للإحصاء، عن انخفاض معدل التضخم السنوي في شهر اغسطس إلى 117.42 بالمئة، مقارنة بشهر يوليو الذي بلغ فيه معدل التضخم 125.41%، أي بانخفاض 8 درجات، وقد درج جهاز الإحصاء على إعلان معدلات التضخم بين الفينة والأخرى، وفقا ل(سلته) التي تحوي عدداً من السلع والخدمات، ومن الملاحظ على اعلانات الجهاز طوال الأشهر الماضية بعد انقلاب 25 أكتوبر، أنها كانت تتحدث عن انخفاض مستمر في معدلات التضخم، في مفارقة غريبة وعجيبة لواقع الاسعار المتصاعدة باستمرار في الأسواق، والمعروف بالبداهة أنه كلما زادت الأسعار ارتفعت معدلات التضخم وليس العكس كما يقول جهاز الاحصاء، وتوفر هذه المفارقة التي يقارفها جهاز الاحصاء مدخلا قويا للتشكك في مجمل بياناته واحصاءاته وقياساته غير الموضوعية وغير المنطقية،

فالعبرة ليست في ما يدونه جهاز الاحصاء من بيانات على الورق، وانما بحقيقة واقع كل الاسعار والخدمات في الأسواق، وحين يقرأ الناس بيانات الاحصاء عن انخفاض معدل التضخم الذي يعني انخفاض الأسعار، ولكن عندما يذهبون للأسواق للتسوق يتفاجؤون بأن الأسعار في ارتفاع مستمر، يكتشفون ان جهاز الاحصاء لم يقل الحقيقة بل التف عليها بخدعة كبيرة، كأن يعمد الجهاز ويتعمد اجراء احصاءاته وقياساته كما يقول بعض الخبراء على سلع غير أساسية احجم الناس عن شرائها فانخفضت أسعارها، ويتحاشى السلع الأساسية الحيوية التي لا غنى للناس عنها والتي ظلت أسعارها ترتفع وتزيد على مدار اليوم، وبخدعته هذه وعدم كشفه للحقيقة يبدو جهاز الاحصاء وكأنه يماليء الانقلاب ويعمل على تحسين صورته ببياناته غير الحقيقية، فيقول للناس ان الامور تمضي للأحسن وان الاقتصاد يتعافى، في مغالطة لا يصدقها حتى منسوبو الجهاز نفسه، اذ العكس هو الحادث تماما، فليست هناك سياسات اقتصادية ومالية يمكنها ان تجعل هذا التحسن ممكنا، بل النقيض هو الحاصل بقرارات وزير المالية العشوائية والجزافية التي زادت طين الاقتصاد بلة، وقبل ذلك بما جره الانقلاب على البلاد بحجب المنح والقروض والتمويلات والاستثمارات واعفاء الديون بسببه..

وربات المنازل وأرباب الأسر الذين يتعاملون مع الأسواق والاسعار كافة، يتحدون جهاز الاحصاء ويقولون له (الميدان يا حميدان)، أي ان الاسواق هي الفيصل، ولا معنى ولا اهمية لبياناتك، فالمفارقة والفجوة بائنة وكبيرة جدا ما بين (كيس ملاحنا) ولا نقول (قفتنا) و(سلتك) الاحصائية المضروبة، والفرق يلفت النظر بين ما تقوله وتذيعه والواقع المعيش في الأسواق والملجات والجزارات الخ، فربات البيوت وأرباب الأسر من غمار الناس، ليس لهم في علم الاقتصاد والاحصاءات وهلمجرا من نظريات فهم عمليون جدا، عندما يجدون الاسعار في مقدورهم وفي متناول يدهم يكون الاقتصاد عندهم معافى والتضخم منخفض، والعكس صحيح، ولا شأن لهم ولا معرفة باحصاءاتكم وقياساتكم ولا يأبهون لها، كما يعرفون ويأبهون للميزان أبو كفتين عند أصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والربطة والكوم عند الخضرجية وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، وليس بالأحاديث الشفهية والأرقام الجامدة والقياسات والاحصاءات التي إن لم تلامس واقع معاشهم اليومي يبقى عندهم قائلها مجرد (حلو لسان وقليل إحسان)، فنظرة للأسواق تقطع قول كل خطيب.. فساعدوهم على الأقل بالسكات يا ناس جهاز الاحصاء وارحموهم من بياناتكم الوهمية..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد