:: ومن سلوك الطفل، عندما يشعُر بانشغال أفراد الأسرة عنه – بالأنس أو بالنوم – يصرخ ليَلفت الانتباه. فسر علماء النفس ظاهرة صراخ الطفل بلا سبب بأنه نوع من (إثبات الذات)، أي أنه يُريد أن يقول بصرخته: “أنا موجود”. وهكذا تقريبا لسان حال بعض مكونات قوى الحرية والتغيير، منذ تشكيل مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك. فالمكونات التي تجتهد لإثبات الذات – بالصراخ – لم يعد لها دور في حياة الناس، وقد نسيتها ذاكرة الناس، ولذلك تصرخ بين الحين والآخر بلسان حالٍ قائل: “أنا موجود”.
:: وعلى سبيل المثال، قبل أسبوع، عندما أصدر رئيس الوزراء توجيها باستئناف العام الدراسي لمرحلتي الأساس والثانوي بكل ولايات السودان خلال مدة أقصاها 15 سبتمبر الحالي، واستجابت الولايات ورحبت بالتوجيه الذي شمل إلغاء عطلتي السبت والدورة المدرسية لتعويض أيام الإغلاق، صرخت المسماة بلجنة المعلمين السودانيين، وأصدرت بياناً رافضاً لتوجيه رئيس الوزراء، ثم هددت بمناهضة استئناف العام الدراسي.
:: وتأسف مكتب رئيس الوزراء لهذا الصراخ الطفولي المراد به (إثبات الذات)، وأسماه بالموقف السلبي والمتعارض مع خطة الحكومة الرامية إلى خلق استقرار عام في هذه المرحلة المفصلية من عمر الوطن، ثم دعاهم لاجتماع مشترك مع رئيس الوزراء.. و توافدوا إلى مكتب رئيس الوزراء، وقابلوه ثم التقطوا معه بعض الصور التذكارية، جماعية و(سيلفي)، ثم خرجوا بعد أن تراجعوا عن موقفهم السلبي. ومنذ ذاك اللقاء لم يصرخوا كالأطفال لإثبات الذات، لأن السيد رئيس الوزراء انتبه إلى صراخهم و(طبطب عليهم).
:: ولكن، بالأمس قال الخبر: “أعلن تجمع المهنيين بولاية الخرطوم عن وقفة احتجاجية اليوم أمام مباني وزارة التربية والتعليم رفضاً لقرار إلغاء عطلة السبت، واعتبر التجمع أن الإلغاء فيه ظلم وإجحاف بحق المعلمين، ويأتي خصماً على راحتهم النفسية والبدنية”، هكذا الصرخة الأخرى والمراد بها إثبات الذات أيضا، لتنتبه الأم (الحكومة). نتوقع انتباهة الأم لصرخة طفلها، بحيث يكون خبر الغد هو لقاء رئيس الوزراء بوفد من تجمع المهنيين بالخرطوم، ثم يصمتوا ويتراجعوا عن احتجاجهم ثم يلتقطوا بعض الصور التذكارية مع حمدوك، جماعية و (سيلفي).
:: المهم أن من يقفون احتجاجاً على إلغاء عطلة السبت يعلمون أن هذه العطلة من آثار النظام المخلوع التي يجب مراجعتها، لأن ما علينا من حال يجب أن يحفزنا على العمل والتعليم على مدار الأسبوع، بما فيه الجمعة، فالنظام المخلوع، وكأنه يحكم بلاد السخاء والرخاء، فرض على الشعب عطلة السبت، لتصبح أيام العطلة الجمعة والسبت وبعض الخميس. نعم، فالخميس ليس بيوم عمل وتعليم مكتمل في بلادنا، وأنظمة الدول الغربية لم تقم فجأة من نومها ليخصص السبت (عطلة رسمية).
:: وكما تفعل الأنظمة الراشدة، كان يجب إخضاع عطلة السبت للدراسة، بحيث يتم تحديد المكاسب والخسائر قبل القرار، وهذا ما لم يحدث. فرضوها، كما تجربة البكور، بلا دراسة. وما فشلت تجربة البكور إلا لأنها جاءت عفو خاطر لأحد مستشاري الرئيس المخلوع، ثم ألزم بها البلاد. ولم تنجح التجربة لأن مصدرها كان (مزاجاً شخصياً)، وسرعان ما ذهبت إلى سلة التجارب الفاشلة، وذلك هو المكان المناسب للأفكار التي لا تلامس واقع الحياة.. وحيَّ على الفلاح والإنتاج يوم السبت أيضاً، فالجمعة تكفي للراحة النفسية والبدنية و..( الركلسة).