في الوقت الذي تمتلئ فيه الساحة السياسية السودانية بعدد كبير من التيارات السياسية والتنظيمات الحزبية بتنوع توجهاتها الفكرية وتباينها الآيدولوجي، ورغم كل هذه الأشكال السياسية والحزبية والثقافية التي برزت مؤخراً في الساحة السودانية كنوع من الحلول التي بدأت العقلية السودانية تبحث عبرها عن حلول لأزمة البلاد بعد ذهاب حكم الإنقاذ الوطني، يجيء ميلاد الكثير من التيارات والكيانات والواجهات المستقلة كغيرها من القوى السياسية التي ملأت الأفق السياسي في وقت ما، لتؤكد في فحوى حديثها وخطابها السياسي أنها جهود مجموعة من الناشطين في المجتمع والساعين للحرية والسلام وتنمية ورفاه البلاد. تأتي هذه التكتلات التي أعلنت عن نفسها مؤخراً كتنظيم يحمل أبعادا سياسية، وهي بهذه الصفات تحتوي على أبعاد ومضامين وأهداف تمكنها من أن تكون إضافة نوعية ذات خصائص متفردة عن مجموع الأحزاب السياسية الأخرى التقليدية منها والمتجددة، وذلك وفقاً لمشروعية حزبهم وديناميكيته على القدرة على الفعل السياسي ووضع الاستراتيجيات والبرامج والمشروعات السياسية القاصدة للإسهام في نهضة السودان. ولهذا كله ربما لم يجد المراقب للأحداث الراهنة ما يجعل أن هناك مفارقة بين حزب أو تكتل أو حزب سياسي برز حديثاً في الساحة السياسية عن آخر، ولذلك فإن ما شهدته الساحة السياسية من تناسل كثيف لكيانات وأحزاب وتيارات أحدثت الكثير من اللغط وسط الساحة السياسية جعل السؤال عن من أين جاءت هذه التكتلات والكيانات، ومن يقف خلفها سؤالاً محورياً مهماً لم يجد إجابة شافية حتى الآن فمن أين جاءت هذه الكتل ومن يقف خلفها؟.
أرضية مشتركة
لم يكن هذا الحال هو ما ينطبق على التيار الشبابي المستقل وحده فحسب، وإنما هناك الكثير من التيارات والكيانات الحزبية والسياسية التي بدأت في الظهور مؤخراً عقب سقوط حكم الانقاذ. فقد تم تدشين الحزب الأهلي السوداني مؤخراً بذات الصفات والهيئة التي انطبقت على غيره من تلك الكيانات، فيما وجد ميلاده لغطاً سياسياً وتجاذباً كبيراً حول قياداته الذين ينطلقون من أرضية الإدارة الأهلية وأغلبية الشباب الذين يدعمونه، وبين من يرى في الفكرة عودة الهيئات والواجهات السياسية السابقة التي كانت لحين سقوط حكومة المؤتمر الوطني عضواً فاعلاً في الساحة السياسية.
ولم نبتعد كثيراً عن ذلك، والساحة تشهد تحولات سياسية كبرى إذ أعلن عن تدشين حزب نهضة السودان الذي يضم عشرين حزباً أبرزها الأمة الوطني والأمة الفيدرالي وحزب الحرية والعدالة، وحزب جبهة الشرق، وسمّى التحالف د. “التيجاني السيسي” رئيساً و”موسى محمد أحمد” نائباً للرئيس.
حمى الكيكة
ورغم أن ميلاد هذا الحزب كان موجهاً وإشارة للخطوات السياسية التي سوف ترى ملامحها في الساحة السياسية مبكراً استعداداً لفترة الانتخابات القادمة وللبناء الديمقراطي الجديد الذي يراد له في الساحة السياسية مستقبلاً، إلا أن قيادات التحالف حذروا من عمليات استقطاب جهوية وإثنية بسبب حالات انعدام الثقة بين شرائح المجتمع وحتى بين القوى السياسية، مؤكدين أن السودان الآن يشهد تداخلات أجنبية كثيرة مرئية وغير مرئية. في وقت لا زالت فيه إشارة أصابع الاتهام توجه نحو مصدر هذه القوى والتحالفات السياسية التي جاء معظمها معارضاً لخطوة قوى الحرية والتغيير الرافضة لإشراك واستصحاب من شارك النظام البائد من الأفراد والأحزاب خلال الفترة المقبلة، بيد أن هذه “التكتلات الجديدة” اتخذت من الإدانة والشجب لعملية فض الاعتصام، معبراً لنيل صكوك القبول لدى الشارع السوداني، في وقت أكد فيه معظمهم أنهم ينتظرون نتائج التحقيق التي كونت للتقصي في ذلك الأمرلإظهار درجة مناصرتهم لقتلى وشهداء ساحة التغيير.
ضد المحاصصة
ولكن ما قاله مجدي الدين الشيخ الأحمدي رئيس التيار الشبابي المستقل عن أن حزبهم إضافة حقيقية للمشهد السياسي، وأن مشكلة السودان لا تكمن في من يحكمه وإنما في كيف يحكم، وقوله إنهم يريدون ويعملون لأجل التوافق مع بقية القوى السياسية للخروج بالبلاد من الأزمة السياسية الراهنة، مؤكدين أن ذلك يكمن في عدم الركون والاتجاه للمحاصصة السياسية في الحكومة المقبلة، يؤكد الكثير من المراقبين، بأن هذه الدعاوى تكاد تكون مشتركة بين هذه القوى التي انطلقت ربما في وقت متأخر، بعد أن اكتسحت قوى الاتفاق جميع المواقف من راهنه، فيما تظل عبارة ” إننا ضد المحاصصة” هي الأبرز رغم الرغبة الجارفة لكل القوى السياسية في أن تنال حظها من كيكة السلطة والحكومة التي تشكل الآن. بينما تظل رغبة أن تتشكل الحكومة وفقاً للكفاءات لتحقيق الغايات التي من أجلها دفع الشهداء أرواحهم مهراً لاستقرار البلاد، هي الغاية التي قد تتقاصر دونها كل هذه القوى الوليدة.
وقال رئيس التيار الشبابي المستقل، إننا نسعى بكل جهد لتحقيق قيم الحرية وترسيخ معاني السلام ووقف الحروب والنزاعات الأهلية والطائفية، بجانب العمل على إدارة التنوع الثقافي والإثني الذي يتمتع به السودان بما يحقق اهداف المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والسياسية. مؤكداً أنهم سوف يمضون مع بقية القوى السياسية السودانية في الساحة السياسية لتوحيد كافة التيارات السياسية بالبلاد وتقريباً لوجهات النظر فيما بينها لتجنيب البلاد أخطار الفتن والانشقاق.
التركيز على الشباب
ورغم أن معظم هذه الكيانات بدأت تتلمس طريقها للمجتمع عبر النوافذ السياسية بعيداً عن الأحزاب التقليدية أو اتباع فكرة الاندماج معها، يؤكد حافظ العمري المهتم بالتدريب وتنمية القدرات بتيار الشباب المستقلين على تمييز التيار عن بقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي خرجت إلى الساحة السياسية السودانية. وقال إن التيار يركز على الشباب وعلى الإنسان كمحور للتغيير والإبداع والتميز مؤكداً وسطية الحزب المستقل، حيث إنه ليس يمينياً متطرفاً ولا يسارياً ومن أنهم يركزون على الشباب بالعديد من البرامج الهادفة في التدريب لكل عضوية الحزب وهو تدريب مجاني دفعاً للتنمية البشرية ولتطوير الإنسان باعتباره محور التنمية والنماء الثقافي والعلمي بالبلاد. بينما يرى البعض أن عضوية الحزب في تزايد مستمر كالذي أكده عبد العظيم البرناوي بتيار الشباب المستقلين من أن عضويتهم بلغت أكثر من مليون ومائة ألف شاب، ما يؤكد الاستجابة الواسعة لبرامج الحزب وسط الشباب الذين يبحثون عن معاني الوطنية والمواطنة بشعار لا للحروب نعم للمصالحات. مشيراً إلى أن البلاد بحاجة كبيرة للكثير من الدراسات الوطنية التي تدرس الآن في العالم وتساهم في البناء الحقيقي للسودان.