يتبرأ عدد من قادة حركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاق جوبا والمشاركة الآن في الحكومة الانتقالية، من كل خطأ وفشل وتقصير، ومازالوا يتحدثون بذات النبرة التي كانوا يخاطبون بها حكومة المخلوع، ولا أحد منهم يخرج الى الإعلام الا ويشعرك انه مازال ( يقف بعيداً) عن كل الذي يحدث وهذا ان دل إنما يدل على ان اتفاقية السلام اهتمت بالخطوط العريضة للاتفاق لكنها جهلت كثيراً من المعاني والاشياء الدقيقة التي يقوم عليها مفهوم السلام المتمثل في بناء جسر قوي غير قابل للتصدع والانهيار.
فخطاب هذه القيادات في الأجهزة الاعلامية يحتاج الى مراجعة دقيقة، حتى يدرك المسئول في حركات الكفاح انه واحد من الذين تقع عليهم المسئولية أيضاً عن أمن الناس ومعاشهم، ان كانوا في الخرطوم او دارفور او الشمالية كما ان بعض الأجهزة الإعلامية مازالت تحرص على تقديم هذه الشخصيات بصفتها قادة في الحركات لا بصفتها القومية، وهذا مايجعل المتحدث منهم دائماً ينسى دوره القومي ليتحدث من منظور ضيق بصفته كقيادي في حركات الكفاح المسلح، وحتى كتابة هذه الحروف يجلس كثير من قادة الكفاح على (طرف الكرسي) وانه يمكن ان يباغت الحكومة بمغادرته في أي وقت ، وهذا احساس غير مريح ان كان لحركات الكفاح او الحكومة او حتى للذين يحلمون بأن يكون إتفاق السلام واقعاً معاشاً تنعم به كل ولايات السودان ، فأهميته قد لا تكمن في دمج قوات الحركات مع الجيش ، ولكن دمج الأرواح في بعضها البعض إلفة وسلاماً حتى تستطيع أن تقدم للشعب وللوطن عملاً رفعت من أجله شعارات الثورة ونادت به الاصوات مطالبة بتحقيقه، ووضعت له البنود وشروط الاتفاق.
وأعلن عضو لجنة الترتيبات الأمنية عن الجبهة الثورية مبارك بخيت عدم علمهم بالجهات التي تسببت في الخروقات الأمنية بالخرطوم والولايات وطالب عبر قناة النيل الازرق الأجهزة الأمنية للقيام بمهامها لحفظ الامن وكشف المتورطين في الانفلاتات وأمد القيادي بالجبهة الثورية ان قوات حركات الكفاح المسلح جميعها تحت سيطرة قياداتها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية بالدولة ووجه انتقادات حادة لقرارات الحكومة السياسية وحملها مسئولية تأجج الصراع واندلاع احداث شرق وغرب السودان ووصف الحكومة انها تعاني من عدم الانسجام ما طلبت الجميع بتنازلات لإنجاز مهام الفترة الانتقالية وتنفيذ الترتيبات الأمنية.
وبخيت كأنه يتنصل من كافة مسئولياتهم عندما يحمل الحكومة المسئولية ويصور لك قادة الحركات وكأنهم ضيوفا جاءوا الى الخرطوم في رحلة مستعجلة لا علاقة لهم بما يحدث في العاصمة والولايات ، دون ان ينظر الى ان قادة السلام لهم أدوار كثيرة وعديدة بعيدا عن المهام الأمنية والعسكرية ، التي تحصر أمن وسلامة الناس في حراستهم بالبندقية ، السلام أحياناً ينمو ويزهر في مخاطبة المسئولين للبرامج الثقافية والاجتماعية في العاصمة والولايات والقرى ، لتعزيز أواصر الصلات والعلائق بين ابناء الوطن الواحد ، في قبول الآخر وفي الاحساس بالانتماء لهذا الوطن بأكمله ، وفي تنظيم رحلات ووفود من العاصمة الى الإقليم، وزيارات ودعوات لجيل الثورة الذي هتف باسم دارفور ولم يراها الا في الخريطة ، ما قيمة السلام ان كان مازال القادة يضعون حواجزاً ويأطرون الإقليم دون غيره بأطر تجعله دائماً في عيون الناس بعيداً عنهم.
فالسلام لا يعني أن تتربع على مقعدك تنتظر فقط تنفيذ اتفاق بنود السلام لتحمل الأموال وتتجه الى اقليم دارفور، هذا سلام مع الحكومة، ولكن نحن الشعب نحتاج السلام الحقيقي الذي لم توقعوا عليه بعد!! .