@ لن تنهض الزراعة في السودان إلا بتقليل تكلفة الإنتاج و لن نتمكن من تقليل تكلفة الإنتاج إلا بقفل استيراد بعض المدخلات الزراعية التي يمكن توطين صناعتها محلية و هذا القرار بتصنيع مدخلات الإنتاج يتعارض مع مصالح العديد من الشركات و اسماء الأعمال التي يقوم نشاطها على استيراد المدخلات الرئيسة في الزراعة وليتهم يقومون باستيراد نوعيات جيدة تنطبق عليها المواصفات المطلوبة و لأنهم يهدفون إلى تحقيق أعلى معدل أرباح، فلا يتقيدون باستيراد النوعيات التي ينطبق عليها الحد الأدنى من المواصفات و التي لا تعطي إنتاجية عالية من المحصول. هذه الشركات التجارية صارت تتلاعب باستيراد مدخلات إنتاج فاسدة من حيث النوعية و من حيث تاريخ انتهاء صلاحيتها و لأن البنك الزراعي يعتمد هذه المدخلات فأصبح الأمر من السهولة بإمكان التلاعب في استيراد و اعتماد نوعيات من المدخلات غير مطابقة للمواصفات.
@ الشركات التجارية المستوردة لمدخلات الإنتاج الزراعي و التي أثرت ثراء فاحشا من هذا النشاط الذي لا يعرف غير الفساد تبذل قصارى جهدها في توسيع مظلة نشاطها على حساب الإنتاج و الإنتاجية و تقوم بقفل الأبواب أمام توطين اي صناعة لهذه المدخلات بل تسعى سعيا حثيثا لضرب أي إدارة زراعية تنشط في مجال البحوث بتحجيم نشاطها كما هو الحال في مجال أضعاف مراكز البحوث و التجارب الزراعية باستقطاب الكوادر العلمية التي تعمل في هذه الإدارات و المراكز وإغراءهم بالعمل لديهم أو العمل لصالحهم من داخل تلك الإدارات و تنفيذ كل مطلوبا تلك الشركات التجارية التي صارت المهدد الأول لتطور الإنتاج الزراعي و قد شهدنا في الآونة الأخيرة كيف تتحكم هذه الشركات التجارية في اختيار القيادات الزراعية في الحكومة مثل وكلاء و وزراء الزراعة و المدراء العامين للمؤسسات الزراعية الهامة بالبلاد و هؤلاء القيادات و للأسف الشديد تعمل لصالح مافيا الشركات التجارية بتعويق أي مخطط لا يتفق مع مصالحهم أو الانحياز التام لهم.
@ لا يعقل ابدا ان تكون دولة كالسودان تعتمد على الزراعة في نشاطها الاقتصادي تسجل تراجع عاما بعد عام و لا يوجد أفق يوحي بأننا سوف ننهض بالزراعة في القريب العاجل أو الآجل و قد بلغ الحال بأننا نفرط في مواردنا الرئيسة من الأرض و المياه بالبيع و الهبة و الاتجار وتعريض التربة للجهاد و فقدان خصائصها الأساسية بجانب استنزاف مياهنا الجوفية و تعريض البيئة الزراعية لظهور آفات تتطلب مكافحتها مليارات الدولارات. لا يعقل أبدا أن يكون السودان دولة زراعية في المقام الأول و يقوم باستيراد أهم المدخلات الزراعية كالتقاوي التي كانت تنتج محليا بإشراف هيئة البحوث الزراعية. و لا يعقل ابدا ان يستورد السودان الأسمدة الزراعية بأثمان خرافية و كل مقومات صناعة الأسمدة متوفرة إلا أن الشركات التجارية المستوردة لا يمكن أن تفرط في قفل باب أرباحها الفاحشة من استيراد تلك المدخلات.
@إنشغلت الأوساط الزراعية من مزارعين و مسئولين و مهتمين بالشأن الزراعي، إنشغلوا بمشاكل الري و التمويل و انتظار وصول المدخلات عن المشاكل الحقيقية التي ستظل قائمة كل عام بأن تكلفة الإنتاج في تصاعد دائم بسبب ارتفاع أسعار الدولار لاستيراد المدخلات الزراعية. إذا إفترضنا أن كل هذه المدخل لا مفر من استيرادها إلا أن هنالك تسيب في ضبط المواصفات عند استيراد تلك المدخلات هذا التسيب في ضبط المواصفات ادخل المزارعين قبل ٤ مواسم في زراعة تقاوي فاسدة ما تزال محكمتها قائمة . شهد الموسم السابق و الحالي ارتفاع جنوني لجوالات الخيش الجديدة من ١٥٠ جنيه للجوال إلى ٧٥٠ جنيه للجوال علما أن موسم حصاد العديد من المحاصيل يتزامن مع بعضها البعض المحاصيل الشتوية كالقمح و البقوليات و التمور بجانب محاصيل الفول المصري و الفول السوداني و الذرة و الصمغ وبقية الخضارات كلها تستخدم جوالات الخيش بمواصفات واحدة يتطلب استيرادها عملة صعبة ضخمة و تحقق أرباح طائلة جدا علما بأن هنالك محاولة لإنتاج الكناف الذي تصنع منه جوالات الخيش كلها باءت بالفشل بسبب تدخل الشركات و الجهات المستوردة التي تقف ضد إنتاج الخيش محليا. نهضة الزراعة في السودان لن تنطلق مطلقا ما لم يتم توطين صناعة المدخلات الزراعية بالسودان.