سُئل عجوز في أول سنوات النزوح، عن الحياة في المُعسكر، فأجاب قائلاً بأنّهم جاءوها للبحث عن الأمن الذي افقدهم غيابه الاستقرار، ووقفت بسببه اعمالهم التي كانوا يُمارسونها، ومن خرج منهم بماشيته لم يعود بها، ومن ذهب للزراعة لم يتركوا له شيئاً في يده، وإن تركوه يزرع فلن يتركوا له شيئاً من حصاده، وختم حديثه بجملة بسيطة (عميقة)، المكان البدخلو الخوف العمار بمرُق منو.
تحدّث الدكتور حمدوك في زيارته (التاريخية) لمقر الدعم السريع عن قضايا قال عنّها، أنّ حلها هو المُفتاح لأبوابِ الانتقال، ولن يتم بناء دولة المدنية المنشودة إن لم يتم الوصول لحل هذه القضايا الشائكة، وبالحل تزول المخاوف من حدوث انتكاسة للثورة، وتذهب معها كُل التضحيات التي بذلها الشعب السوداني في نضاله الطويل لاقتلاع نظام الإنقاذ، واتفق معه المُضيف الفريق حميدتي بشكلٍ أوضح في قوله، (بأنّ الظروف المعقدة والحساسة التي تمر بها بلادنا، والتي يتحملها شعبنا بعزيمة وصبر، تتطلّب منا جهداً أكبر من الذي نقوم به الآن لرفع المعاناة عن المواطن، الذي يعيش ظروفا قاسية بحثاً عن لقمة العيش الكريمة، ولفت الى تزامن ذلك كله مع انقسامات كبيرة في المشهد السياسي، وهشاشة في الأوضاع الأمنية، وتنامي خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية والقبلية).
نقول لهُما ونؤكِد بأنّ كُل مفاتيح القضايا التي تحدثتُما عنها موجودة وراء بابٍ واحد مُغلق باحكام، افتقدنا مفتاحه عند افتقادنا للأمن، والعُثور عليه يحتاج إلى جُهدٍ تُحسم به هذه الفوضى المُستشرية فينا، وتستقوي به البلاد من هشاشتها، وتنحسِر به مساحات العبث المُتمددة، لرفع المُعاناة عن مواطنٍ أرهقته قسوة الظروف المعيشية الضاغطة، وضاعف فقدان الأمن هُمومه ومعاناته، وكيف للمُعاناة أن تُرفع في ظل اهتمام الدولة بغير قضية الأمن، وصراع عُشاق السُلطة عليها يزداد مع كُل صباح.
وهل هُناك يا تُرى من قضية أهم من الأمن..؟
من العسير علينا الدخول إلى براحات النماء والبناء، والأمن غير مُستتب، والخوف من المصير المجهول احتلّ في قلوب الناس كُل مساحات الطمأنينة، واستصغروا به الأزمات الأخرى، والهشاشة التي تحدثتما عنها أغرت المرضى من أصحاب النفوس الضعيفة، لزرع الخوف وسط الناس ولنشر الفوضى بينهم، لتكبيل حركتهم، وتضييق مساحات حُريتهم بنشرِهِم للعُنف في كُل مكان، لاشباع شهوات نفوسهم الدنيئة بلا خوف من عقاب، ولا وجل من سلطة يعترف أهلها في كُل ظهور لهم بهشاشتها، وضعفها في حسم جرائمهم البشعة، التي ضاقت من كثرتها سُبل النجاة على المواطِن الأعزل، وأخبار القتل المُستمرة عزيزي القاري لا تحتاج لمن يُحدثكُم عنها.
اغلقوا كُل الملفات المفتوحة وركِزوا الجهود في ملف الأمن، ونجاحكم في هذا الملف يقودكم للنجاح في كُل الملفات، وإلّا فعلى الثورة السلام.