(1 )
في الثامن أو التاسع من إبريل 1985 أي بعد يومين من نهاية نظام نميري ونحن في رحلتنا اليومية من وإلى الخرطوم راكبين البص أو كنبتين كنا نتوقف عند نقطة تفتيش سوبا ويومها كان التفتيش يختص بالمواد التموينية خاصة السكر (تهريب ود ناس, مش؟) صاح أحد الركاب في الشرطة التي تقوم بعملية التفتيش (إنتو قاعدين لسه ؟) أي كان يجب أن تذهبوا مع نظام النميري، فرد عليه الشرطي (خلاص من هسي قمنا ما تصبروا شوية) فدردشنا حول هذا الموضوع وتحرك البص بدون تفتيش، ومن ثم ألغيت كل نقاط التفتيش تلقائياً واستمر الحال إلى أن جاءت الإنقاذ أها عينك ما تشوف إلا النور إذ أصبحت نقاط التفتيش على قفا من يشيل وأصبحت الأشياء الخاضعة للدفع أكثر من الهم في القلب “شي ضرائب وشي زكاة وشي دمغة وشي ولائي وشي محلي” فبارت المنتجات في مناطق إنتاجها وتعطلت حركة الصادر فازدادت حدة الفقر. والغريب في الأمر أن الحكومة كانت مقرة أن ضرائب الطريق ذات مردود سلبي على الحركة الاقتصادية، وسعت بكل ما تملك لإيقافها لكنها فشلت لأن الدستور يعطي الولايات والمحليات حق التشريع المالي فأصبحت تعتمد على الضرائب المباشرة وتركت تشجيع الإنتاج فأصبح الضرر مزدوجاً.
(2 )
الارتباط بين حرية الحركة الاقتصادية وحرية الحركة السياسية لا يحتاج إلى درس عصر لا بل الحرية السياسية كانت لاحقة للحرية الاقتصادية، فقاعدة (دعه يعمل دعه يمر) الناشئة نظرية (الليزيفير) نشأت عنها حرية التعبير وحرية التنظيم، فنحن اليوم وبعد ثورة ديسمبر/ إبريل المباركة استعدنا حرية التعبير وحرية التنظيم، ولكن للأسف مازالت الحركة التجارية مكبلة بنقاط التوقف في الطريق. ففي شارع الخرطوم/ مدني لا تسير عدة كيلوهات إلا وتجد الشرطة متوهطة في الطريق وصفافيرها (تجيب الطاش) والله قال بقول السيارة التي تحمل المنتجات الزراعية والحيوانية أو المواد المصنعة (جييييك)وعلى جنب وهاك يامساومة, لقد كره المنتجون هذا الطريق ولجأوا للطرق الترابية ليدخلوا العاصمة من جنباتها وبالطبع هذه المجازفة بثمنها الذي سوف يدفعه المستهلك ليصل كيلو الطماطم في العاصمة الشيء الفلاني. شمال الجزيرة كان ينبغي أن يمد العاصمة بكل ما تحتاجه من ألبان وخضروات وأغذية. هذا على سبيل المثال لأن الناس تركوا هذه الأنواع من الزراعة طالما أن البكسي الذي يقل صفائح الطماطم أو جوالات العجور أو قدور اللبن يتوقف في المسافة بين الكاملين والخرطوم ست مرات على الأقل وفي كل مرة يده على جيبه فأصبحت الشغلانة بالخسارة فهجر الناس زراعة الخضروات وتربية الحيوان وتركوا العاصمة تأكل نارها اشهد الله العظيم وأنا صبي شهدت العربات البدفورد خمسة طن (السفنجة والاوستن) تحمل صناديق الطماطم من حواشاتنا في شمال الجزيرة وتتجه بها إلى نيالا وبورتسودان وتذهب إلى هناك و(القشة ما تعتر ليها) وأجزم الآن إنه في العشرين سنة الأخيرة لم نزرع ولا سرابة طماطم في حواشتنا.
(3 )
إذن ياجماعة الخير الحرية التي ننعم بها الآن حرية منقوصة لا بد من استكمالها اليوم قبل الغد وكنا نتمنى أن تختفي نقاط التفتيش مع الثورة بصورة تلقائية ولكن يبدو أن اللت والعجن الذي كان يدور بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتحرير قد حجب الثورة من النزول للقواعد فالآن وبحمد الله تم الاتفاق ولكن الثورة مازالت معلقة فوق ومازلت تدور في الشكل المديني ولا ندري متى تلتفت لمعاش الناس وحياتهم العضوية ويلا اهتفوا كلكم مدنيااااو .