بصراحته المعهودة ربط نائب رئيس المجلس السيادي بين أحداث الثلاثاء و تمرد أفراد هيئة العمليات بجهاز المخابرات وبين ما يعرف بمواكب الزحف الاخضر التي يسيرها أنصار النظام البائد بين الحين والاخر كلما وجدوا الي ذلك سبيلا وكلما غالبتهم الاشواق الي فسادهم القديم – وهو ربط منطقي يُعرف بقرائن الأحوال وإشتراك المصالح ، وربما تشابه المصير .
أسباب اخري ساعدت ذلك التمرد علي سرعة الانتشار منها عدم إستلام أسلحة القوات التي تم تسريحها ، وتأخير سداد إستحقاقات الأفراد ، ولكن يبقي التباطؤ الشديد في تفكيك أركان الدولة العميقة هو أهم الاسباب التي قد تؤدي الي المزيد من التحركات في جبهات اخري مختلفة وربما بنتائج أسوأ مما حدث .
الدفع بمناخ الحريات وحق التعبير هو إفتراض لايصح الإحتجاج به لمنح أذيال النظام البائد الموافقة علي تسيير المواكب ، صحيح أن الحرية حق كفلته الثورة – ولكنه حق تحده القوانين ، وهو لايتوفر للمؤتمر الوطني وأتباعه علي إعتبار أنه حزب تم حله بموجب قانون تمت المصادقة عليه من أعلي سلطة بالبلاد متمثلة في مجلسي السيادة والوزراء . كذلك فالحرية ليست حقا مطلقا – فلاحرية لمُدان وإلاّ لما كانت هنالك سجون .
كذلك فقد اثبتت التجربة أن مواكبهم لاتشبه المواكب السلمية التي شهدتها ثورة ديسمبر المجيدة ، وخير مثال علي ذلك ما شهده موكب زحفهم الاخير بمدينة ودمدني والسلاح الذي عثر عليه عند بعض المشاركين والإصابات التي لحقت ببعض الثوار . كما أن مواكبهم تتسم بالدعوة الي الفتنة وإثارة الكراهية بين أبناء الشعب الواحد وكلها توجهات لاتخدم الثورة بل لاتخدم الوطن وكلها ممارسات يمنعها القانون وتحتم منع قيام تلك المواكب برفض منحها التصديق اللازم .
الايمان الكامل بمبادئ الثورة وحده هو الذي يجعل القائمين علي الأمر يرفضون منح التصديق لمثل تلك المواكب ، فعناصر الدولة العميقة في مدينة ودمدني هي التي ساعدت علي تسير اخر موكب للحزب المحلول هناك ، بل ووفرت الحماية للمشاركين فيه ، وعلي ذلك يكون تغير تلك العناصر باخري لا تعمل ضد مصالح الشعب هو أكبر ضامن لتحقيق أهداف الثورة .
تأمين الثورة يتطلب أيضا المزيد من الجهد والإخلاص من الأجهزة الأمنية والتي يجب تمحيصها بدقة شديدة وتنقيتها من عناصر الدولة العميقة وأنصار النظام البائد لأن وجودهم بها أشد خطورة منه في باقي مفاصل الدولة ، وربما تتطلب عملية التمحيص هذه إعادة خدمة المفصولين من الخدمة العسكرية خلال سنوات التمكين البغيضة وإلحاقهم بدفعاتهم ، وفصل المشكوك في ولائهم للشعب قبل الثورة وتقع هذه المسؤلية بالكامل علي عاتق المكون العسكري بالحكومة الانتقالية .