لم أستغرب البيان الذي أصدره حزب المؤتمر الوطني الذي أسقطه الشعب عنوة واقتدارا بعون الله الذي يؤتي وينزع الملك ممن يشاء وذلك عندما قرأت له في أحد الصحف بيانا رافضا للاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية التي أيَّدها غالب الشعب وسُرَّ واحتفل بها، فهذا الحزب الذي جثم على صدر البلاد ثلاثين عاما وفشل فشلا ذريعا ووضع البلاد فيما نعانيه اليوم، كان الأجدر به أن يصمت ويترك للشعب السوداني أن يقرر ويخطط لمستقبله بإرادته الحرة، في حين فشل هو في إدارة البلاد بالكفاءة والأمانة اللازمة ويصدر خلالها اتفاقا سياسيا مماثلا يكرِّس التوافق الوطني أو أن يصدر وثيقة دستورية يلتزم بها تكرِّس أحلام السودانيين في تحقيق الحرية والسلام والعدالة والحكم الرشيد، ناهيك عن تحقيق العيش بكرامة أو تحقيق ازدهار اقتصادي بل كانت نتيجة حكمه ذلك الانخفاض المزري في قيمة الجنيه وازدياد حالة الفقر ونسبة التضخم والبطالة خاصة وسط الشباب من الجنسين، لا بل وتقليص أرضنا وسيادتنا..
للأسف صدرت كل الصحف خالية من تفاصيل الإعلان الدستوري، ولو نشرته بالتفصيل وما ورد فيه حول الالتزام بتحقيق السلام لاستغرب الناس كثيرا من ذلك الموقف الرافض للحركات الثورية ولموقف الحزب الشيوعي رغم مساهمتها في الثورة وكنت أود ألا يكررا ما فعلته الحركة الشعبية عقب انتفاضة أبريل 1985 عندما صرح قائدها د.جون قرنق بأنها (مايو تو) ورفض كل الرجاءات بالانخراط في الثورة والعمل على تكريس الحريات التي جاءت بها الانتفاضة والعمل على تجذير النظام والممارسة الديمقراطية بدلا عن وضع العراقيل والشروط التي أنتجت فوضى وخلافات أدت إلى انقلاب جديد واستمرار الدورة السياسية الخبيثة..
أقول لهؤلاء الذين رفضوا الإعلان الدستوري أنه لن تتحقق مطالبهم في ظل التنازع والرفض خاصة في تحقيق السلام وكان الأجدر والأوفق أن ينخرطوا في العملية السياسية الجارية فهذا الإعلان الدستوري هو عمل بشر، ربما يكون فيه بعض الهنات والقصور ولكنه الأفضل فهو لا يرقى للقرآن الكريم، ويمكن – من خلال بناء وتعزيز الثقة والحوار والتدافع السلمي فكريا وسياسيا من خلال المشاركة خلال فترة الانتقال في داخل المؤسسات السياسية والدستورية وعلى رأسها البرلمان- أن نجري كثيرا من التحسينات وتدارك الأخطاء وتطوير التجربة وسد كل المنافذ التي يأتي منها أيُّ قصور يفسد الانتقال أو مستقبل الحياة والممارسة السياسية.. يجب ألا نكرر أخطاء الماضي بالتنازع والتطرف في المواقف الذي سيدفع بالأوضاع إلى حالة جديدة من اليأس والتشاؤم المفضي للتردي والفوضى من المؤكد ستستغلها جهات لا تريد لهذا الوطن ممارسة حق الحرية ولا الاستقرار والنماء، أو تستغلها جهات لا همَّ لها إلا إعادة البلاد إلى حظيرة وبيت الطاعة الديكتاتوري وحينها لن يفرِّق ذلك النظام الديكتاتوري بمن وضع أو أيَّد أو رفض الاتفاق السياسي ولا الإعلان الدستوري فجميعهم بالنسبة له يجب معاقبته.