اللافت للنظر هذه الأيام النشاط المتصاعد لجماعة الاسلام السياسي، وتوجوا هذا النشاط باصدار ما أسمى نفسه (التيار الإسلامي الجديد) بياناً بعث به الى بريد عدد من الجهات، منها المكون العسكري في السلطة الانتقالية بجميع مكوناته من جيش وشرطة ودعم سريع وجهاز مخابرات وحركات الكفاح المسلح قادة وضباطا وأفرادا، وكرس مخاطبته لهذه الفئات النظامية بلغة سعى من ورائها لاستقطاب العسكريين الى جانبهم أو تحييدهم على الأقل، مع محاولة واضحة لدق أسفين الخلاف والتنازع بينهم وبين المكون المدني في السلطة الانتقالية، ومنهم من وصفهم البيان ب(الشهداء ورفقاء الخنادق) وهم بالضرورة ليسو شهداء ثورة ديسمبر ولا كل الشهداء الذين اغتالهم نظامهم الدموي الفاشي على مدى سنوات حكمهم الباطش، وانما هم بالتأكيد رفقاءهم في الحرب الجهادية التي خاضوها في الجنوب وأدت في المحصلة ضمن حماقات أخرى الى انفصال هذا الجزء العزيز من الوطن، كما اختص البيان بخطاب خاص ومخصوص من وصفهم بقادة وعضوية التيار الإسلامي العريض في الحركة الإسلامية السودانية والمؤتمر الشعبي و المؤتمر الوطني والسائحون وحركة الإصلاح الآن والطرق الصوفية وجماعة أنصار السنة المحمدية وجمعية الكتاب والسنة والإحياء والتجديد وحزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية وإلى رموز الإسلاميين المستقلين وإلى قاعدة الإسلاميين العريضة في جميع أنحاء السودان، وعلى هذا النسق والمنوال الذي لم يترك فيه (لافتة) اسلامية الا وأوردها، مضى البيان يحرض هؤلاء ويؤلب أولئك ويستثير عاطفة آخرين الدينية، ليحصل في النهاية لهدفه بتجميع كل هذه اللافتات تحت قيادته لاسقاط الحكومة واستلام السلطة والعودة مجددا لحكم البلاد الذي صعب عليهم جدا اطاحتهم منه..
لاضير مطلقا في ان ينشط جماعة الاسلام السياسي في ممارسة حقهم المشروع في ابداء آرائهم في شؤون الوطن، ولكن كان المأمول فيهم بدلا عن (تكتيكات الخم) التي أدمنوها وتفننوا فيها، أن ينغلقوا على ذواتهم وممارسة ما يعرف ب(العزلة المجيدة) للتفكر والتدبر في تجربتهم السلطوية المعيبة التي أورثت البلاد كل هذه الأزمات التي يجأرون منها الان بلا خجل، ليعيدوا تقييمها ومن ثم تقويمها مستفيدين من الدرس القاسي الذي لقنهم له الشعب السوداني بلفظهم كما تلفظ النواة عبر ثورته المجيدة، ولكن الجماعة هم الجماعة فهكذا تمت تربيتهم وادلجتهم بطريقة لا فكاك لهم منها الا من رحم ربي، فانظرهم يقولون بلا تأنيب ضمير انهم انما يسعون لاسقاط الحكومة حفاظاً على الدين والملة ومن أجل حياة كريمة لنا وللمستضعفين في البلاد، فلا تتخاذلوا، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.. (فتأمل)، فهل تراهم بمثل هذه الاحاديث اللولبية الثعلبية التي تتاجر بالدين يريدون استعادة مشروعهم السلطوي الذرائعي الذي تلبس شعارات الإسلام وتخفى خلفها، انها لن تكون سوى فرفرة طائر جريح مهيض الجناح ينتظر نهايته المحتومة، ان لم يترك الجماعة هذا الهوس السلطوي المتسربل بالدين وان لم يعكفوا على اجراء مراجعات فكرية جذرية حاسمة، وان لم يعترفوا بداء الاستبداد والطغيان والظلم والفساد الذي وسم عهدهم المشؤوم بل صار وصمة لن تفارقهم أبد الدهر.