أشفق كثيراً على الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي من حمل التناقضات الثقيل في خطاباته التي يوجهها للشعب السوداني او لأفراد قواته المسلحة ، لأن المرء لايسوءه ويضره سوى عدم تطابق أقواله مع أفعاله ، فالمستمع الجيد للأقوال هو متابع جيد للأحداث ، فمثلما يسمع ، يرى فالبرهان لا يمل من الحديث عن العدالة المفقودة في ظل الفترة الانتقالية وعدم وجودها الا في شعارات الثورة فرئيس المجلس السيادي يقول أنهم قادرون على تقديم كل من أجرم بحق الشعب السوداني للعدالة وهذا واجبنا)، وهو يعلم ان هذا الحديث لاعلاقة له بالحقيقة ولا الواقع ، فمجزرة القيادة العامة رغم بشاعتها مر عليها أكثر من عامين فلماذا لم يقدم رئيس مجلس السيادة الذين ارتكبوا هذه الجريمة الى العدالة، إن كان هذا واجبه ! بل ولم يمنع حتى تكرار مثل هذه الجرائم، وسقط اكثر من أربعين شهيداً بعد انقلابه على السلطة جميعهم قتلهم الرصاص الحي لقواته لمجرد فكرة خطرت على باله ( الاستيلاء على السلطة ).
وجاء وتعهد في اتفاقه السياسي مع حمدوك بتقديم الجناة للعدالة ولكن ذلك لم يحدث ايضاً إذاً لماذا يقصد البرهان اعادة هذه الخطابات العقيمة التي لا تجد آذاناً صاغية عند الشعب الذي فقد الثقة في حكامه.
ويتهم رئيس المجلس السيادي في خطابه البعثات الدبلوماسية بإثارة الفتنة والتحريض ضد الجيش السوداني محذراً من اتخاذ إجراءات في مواجهتهم جاء ذلك خلال خطابه في ختام المشروع التدريبي للجيش السوداني أحفاد تهراقا بمنطقة المعاقيل العسكرية بولاية نهر النيل، قال فيه : (نرى البعثات الدبلوماسية تتجول بكل حرية في الخرطوم ونحذر من تحركاتهم وقادرون على اتخاذ إجراءات)، وقائد الجيش لم يسم تلك البعثات الدبلوماسية التي ازعجه تجوالها في الخرطوم بالرغم من ان كل البعثات الدبلوماسية وجودها يتم مسبقاً بموافقة البرهان ومباركته ، كما انه كان من الممكن أن يحذر هذه البعثات من مكتبه ليعبر عن عدم الرضا الذي ينتابه من تمددها، ولكن لماذا اختار البرهان مناقشة الامور الدبلوماسية في مناسبة عسكرية ، فلا المناسبة ولا المكان يصلحان لمثل هذا الحديث ولكنه قصد التهديد والتحذير فالرجل يريد ان يدفع اليوم ماسيلقى عليه غداً .
ويتحسس البرهان قواته ، ويقول أنها باقية وهي ملك للشعب السوداني ولاتذهب بذهاب الافراد ( ياعيني على الإضافة ) فمن من الشعب السوداني لايعرف هذه الحقيقة ، لكن الا يذكر هذا الحديث المتلقي بخطب الوداع التي يلقيها القادة دائما في آخر خطاباتهم .
كما ان هذا الانفعال في لغة الخطاب يجعلك تذهب بخاطرك بعيداً عن منطقة المعاقيل بولاية نهر النيل لتجد نفسك داخل كابيتول هيل بقاعة الكونغرس في جلسة تناقش كيفية فرض عقوبات رادعة على أفراد من جنرالات الجيش، أليس البرهان هو القائل في ذات المناسبة ( نحن ماعندنا حاجة خايفين عليها ولا خايفين من زول)، جملة تذكرك بالمخلوع عندما اشتد عليه الخناق ، فكلما لاحت في الأفق عقوبات دولية تذكر أفراد جيشه وسبح كثيراً بمدح القوات المسلحة.
وتحذير البرهان للبعثات الدبلوماسية يسبقه تهديد الفريق محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع الذي هدد أوربا وأمريكا ، في ذات الشهر ، فالأول يريد ان يذكر المجتمع الدولي بفضل وجهد قواته في محاربة الهجرة غير الشرعية ، والآخر يريد أن ينسيهم تعامله غير الشرعي والقانوني مع هجرة الثوار الى القصر الجمهوري.
فكلما وجهت الاتهامات الى القادة، دخلوا في رحلة بحث عن تقديم جناة او ضحايا في قواعدهم، فليس ببعيد ان يتم الكشف عن الذين ارتكبوا جرائم في حق الشعب السوداني قريباً إن كانوا من الذين فضوا الاعتصام او قتلوا الثوار في احتجاجات مابعد انقلاب ٢٥ إكتوبر ، هذا ليس لأن ضمائر القادة استيقظت ولكن ربما استيقظت عيونهم من خطر قادهم، ولكن هل هذا يكفي للإفلات من العقاب ؟!