بدا الرئيس بنبرة غاضبة متحدثاً أمام الجيش في عطبرة، التسجيل الصوتي الذي سربته جهة ما اختصر على نحو واضح خيارات الرئيس في المرحلة القادمة، صحيح أنه بدا مستعداً لتسليم السلطة للجيش، لأنَّ الجيش يتحرك بدوافع وطنية وفقاً لقوله، كما بدا زاهداً في السلطة، لكن بالمقابل ففي حديثه رسائل عديدة.
حاول مغازلة الجيش محتمياً بمظلته الأولى، وفي حال استمر الشارع في الانفجار فربما سلمها طواعية للجيش وليس للذين يغازلون الجيش الآن، والذين غازلوا الجيش ليسوا هم مجموعة التغيير )مبارك-غازي( التي طلبت من الجيش حماية الشارع، في مذكرتها التي رفعتها للرئاسة، قطعاً، البشير يقصد بالذين يغازلون الجيش، أولئك الذين يجتمعون من خلف ستار.
التهديد بأنَّ الجيش لو عزف موسيقاه فسوف يدخل كل فأر إلى جحره، الرسالة معنونة إلى السياسيين، وفي السياسيين يقصد فئة محددة، هو يعلمها وهي تعلم ذلك، وقبل ذلك حاول الرئيس أن يمهد بأنَّ هناك من زُرع وسطنا واتضح أنه خائن.
بات هناك اتجاه عام وسط المنظومة، إن كانت في الرصيف أو كانت حاكمة، أنَّ التغيير بات حتمياً، وكلما تأخر زادت كلفته وتعقيدات المرحلة السياسية القادمة. وتصريحات القيادي السابق في المؤتمر الوطني ونصائحه بالتنحي لا تمثله هو فقط، هذه باتت قناعة لدى كثيرين، ينظرون إلى الأمر باعتباره إما موت الأم أو التضحية بالجنين.
لكن بالمقابل، والطبيعي أن يقاتل الرئيس حتى آخر رمق، وقد سبقته في ذلك تجارب عديدة، أياً كانت النتائج فالمقاومة ولو بحدها الأدنى لا مفر منها، لكن ما هي أدوات هذه المقاومة، هذا ما سوف يتضح خلال زمن قصير جداً.
الرئيس أدرك أنَّ سيناريو ما، ربما ينتظر ، وهذا فسرته خطاباته منذ تفجر الاحتجاجات، لكنه لن يرضخ بالتأكيد، سوف يستبق هذا السيناريو بمحاولة غداء قبل أن يتعشى الآخرون، لكن حتى خيارات غدائه باتت محدودة مع تمدد غضب الشارع الذي يتسع يوماً بعد يوم، بينما حلفاؤه “يقفون فراجة”.
الراجح أن تتطور الأمور داخل دائرة القرار خلال أيام أو أقل، وكلما احتقن الشارع ضغط داخلياً، حتى الآن هناك مجموعات خاصة بعدما حدث في أم درمان أمس.